الأحد، 24 سبتمبر 2023

نقد الزيدية (2) || أحاديث الإمامة وصفات الإمام من أهل البيت (عليهم السّلام) في حديث الزيديّة

بسم الله الرحمن الرحيم
نقد الزيدية (2) || أحاديث الإمامة وصفات الإمام من أهل البيت (عليهم السّلام) في حديث الزيديّة

الأصل الأوّل الذي يقوم عليه التشيّع هو مرجعيّة أهل البيت (عليهم السّلام) بمقتضى حديث الثّقلين، والذي ينصّ على أنّ التمسّك بالقرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السّلام) عاصمٌ من الضّلال، ومن هُنا يُبنى على أنّ العصمة فيهم لازمةٌ؛ لأنّ غير المعصوم ليس مأموناً من الدّخول في مقولات الضّلال أو الانجرار خلف الأباطيل في أمر الدّين والحُكم. وقد نُصّ في بعض أخبار الزيديّة على عصمة أصحاب الكساء الخمسة، فقد روى الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الجرجانيّ الشجريّ في أماليه بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله في تفسير آية التطهير: (فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب..)، انظر: الأمالي الخميسية، ج1، ص198، رقم الحديث 733. ولا أدري هل انقضتِ الحاجةُ إلى العصمة، فلم يشترطوها فيمن بعده؟ أم كانت تلك العصمة فيهم على نحو الفضل والزيادة؟
وعلى أيّ حالٍ: فالمتّفق عليه بيننا وبينهم إمامة أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السّلام)، وفيما بعد جعلوا الإمامة تنطبق على من انطبقت عليه شرائط الإمامة المذكورة في كتبهم. وقد اعتمدوا ضوابط ركيكة لا ترفعُ اختلافاً ولا توجب وِفاقاً، مع أنّ الإمامة أُوجِبَتْ لرفع لبس أمور الدين عن الخلق كما نصّ عليه بعض أئمتهم.
ومع ذلك نرى الزيديّة لم يشترطوا في الإمام أن يكون معصوماً ولا أن يكون ذا خصوصيّة إلهيّة في علمه، بل هو بمنزلة الفقيه المجتهد حاله حال الشّافعي وأبي حنيفة، ولذا جوّزوا الاجتهاد ومخالفة الأئمّة السّابقين في الجملة.
والإشكال الذي نطرحه هنا أنّنا إذا نظرنا إلى بعض الرّوايات عند الزيديّة في صفة الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام نعلم أنّها لا تنطبق على أكثرهم، وفي هذا المقام، سنورد الأخبار الواردة في هذا الباب، ومن ثمّ نذكر طرفاً من أحوال أئمّتهم في العلم بالدّين.
صفات الأئمّة من آل محمّد في مرويّات الزيديّة:
الأوّل: روى الشّريف الرضيّ عن أمير المؤمنين عليه السّلام: (هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه)، انظر: نهج البلاغة، ص545، المختار من خطب أمير المؤمنين عليه السّلام وأوامره، رقم الخطبة 237.
الثّاني: روى الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الجرجانيّ الشجريّ بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله: («من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن التي غرسها ربي عز وجل بيده، فليتول علي بن أبي طالب وأوصياءه، فهم الأولياء والأئمة من بعدي، أعطاهم الله علمي وفهمي، وهم عترتي من لحمي ودمي، إلى الله عز وجل أشكو من ظالمهم من أمتي، والله لتقتلهم أمتي لا أنالهم الله عز وجل شفاعتي»)، انظر: الأمالي الخميسية، ج1، ص179، رقم الحديث 667. واحتجّ به الإمام المهديّ لدين الله محمّد بن القاسم الحوثيّ في كتابه (الموعظة الحسنة، ص46).
الثّالث: روى الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الجرجانيّ الشجريّ بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وآله: (لا تعلِّمُوا أهل بيتي فهم أعلمُ منكم، ولا تشتموهم فتضلوا)، انظر: الأمالي الخميسية، ج1، ص205، رقم الحديث 763.
الرّابع: قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة: (فلو لم يكن في ذلك إلّا ما رويناه بالإسناد الموثوق إلى أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أنّه قال: أيّها النّاس، اعلموا أنّ العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيئكم، فأين يُتاه بكم عن أمرٍ تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة، هؤلاء مثلها فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم فادخلوا في السّلم كافّةً، وهم باب حطّة من دخله غُفِرَ له..)، انظر: شرح الرّسالة النّاصحة بالأدلّة الواضحة، ص551.
الخامس: قال أيضاً: (قوله: (نصّ بذاك جدُّهم خير البشر): لما رُوي عن النبيء -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أنّه قال: تعلّموا منهم ولا تعلّموهم، فإنّهم أعلمُ منكم صغاراً، وأحكم منكم كباراً)، انظر: شرح الرسالة الناصحة بالأدلّة الواضحة، ص551.
فهذه نبذةٌ يسيرةٌ من أخبار الزيديّة في صفة أهل البيت عليهم السّلام، وهي تبيّن أنّهم ممتازون عن الأمّة علمائها وغيرهم بعدّة صفات:
1- الأعلميّة، وعدم تفوّق أحدٍ عليهم علمياً.
2- أنّ علمهم وفهمهم هو علم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفهمه.
3- لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه.
4- أنّهم ورثة العلوم التي أنزلها الله على الأنبياء (عليهم السّلام).
وهذا لا ينطبق على غير أئمّتنا الاثني عشر (عليهم السّلام)؛ فلم يدّعِ أحدٌ ذلك سواهم، ولم يُدَّعَ ذلك لأحد غيرهم، إلّا ما أُثِر من مقولاتٍ شاذةٍ أتت بها فرقٌ مندثرة، فمن استقرّت عليه الحالُ من فرق أهل الإسلام اليوم لا يدّعون ذلك لأئمّتهم سوانا، فهم المصداق الوحيد لهذه الروايات.
وبالنسبة للزيديّة، فلا ينطبق على أئمّتهم شيء من هذه الشروط:
أمّا الأعلميّة: فما ظهر لنا دليلٌ على أعلميّة أئمّتهم -بل ظهر خلاف ذلك-، بل بعضهم أقرّ بعدم تفوّقه على الباقر والصّادق صلوات الله عليهما كما في رواية الصحيفة السجّادية من قول يحيى بن زيد رحمه الله حينما سأله المتوكّل بن هارون: (يا ابن رسول الله، أنتم أعلم أم هم؟)، فقال: (كلّنا له علمٌ، غير أنّهم يعلمون كلَّ ما نعلم، ولا نعلمُ كُلَّ ما يعلمون)، وهو صريحٌ في اختصاصهما بعلمٍ لا يُظفَر به عند أحدٍ من الأمّة الإسلاميّة سواهم.
وأمّا دعوى أنّ علمهم وفهمهم هو علم وفهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فهذه خصلة فريدة عالية لم نر أحداً تطاول لادّعائها من أئمّتهم، ومن يدّعيها فعليه بالبرهان.
وأمّا عدم مخالفتهم للحقّ وعدم اختلافهم فيه: فهذه أبعدُ ما تكون عن سيرة أئمّة الزيديّة، فقد اختلفوا فيما بينهم، ويرون جواز مخالفة اجتهادات الأئمّة السّابقين، وهذه كتبهم تشهد باختلاف الأقوال فيما بينهم، وفيها ما لو حُقّق فيه لعُلم أنّه خلاف الحقّ وشريعة سيّد المرسلين، ومن ذلك ما هو منثورٌ في مسائل التوحيد والإمامة، وجملة من مسائل الفقه في أبواب مختلفة.
وأمّا وراثة علوم الأنبياء: فما رأيناهم يدّعون وراثة صحف إبراهيم وموسى وغيرها من مواريث الأنبياء، ولا حتى من علومهم، بل أكثر حديث أئمّتهم وعلمهم له جذورٌ في حديث أهل السنة وكلام المعتزلة، فهم ورثة أهل الحديث والمعتزلة، وما عَلِمْنا أنّ في أولئك أنبياء؛ بل إن جملةً من أئمّة الزيدية -الذين يُدّعى أنّهم مفترضو الطّاعة- وأنّهم مصداق لهذه الروايات أخذوا أخبار النبيّ -صلّى الله عليه وآله- ورواياته عن محدّثي أهل السنّة والإماميّة، ولو مُحِّصت أمالي أبي طالب الهارونيّ وأخيه أحمد والإمام يحيى بن الحسين الجرجانيّ الشجريّ صاحب الأمالي الخميسيّة والاثنينيّة لبان لنا أنّ نسبةً وافرةً منها مأخوذةً من مصنّفات أهل السنّة والإماميّة، ولو أقيمت دراسات حديثيّة دقيقة وخُرِّجت هذه الرّوايات وتمّ تتبع أصولها لكان سهم أهل السنة فيها وافراً، وللإمامية نصيبٌ أيضاً، ومن الطّريف أن جملةً من هذه الأحاديث التي نقلوها في كتبهم هي موضوعاتٌ مكذوبةٌ باعتراف العامّة قبل غيرهم، بل بما يشهدُ به التّحقيق، ودونك ما في الأمالي الخميسية والاثنينية من العجائب والغرائب المسلسلة بالمجاهيل والكذّابين. هذا مع وجود النصوص على تلقي العترة بالقبول للأمالي الخميسيّة.
والحاصل: إنّ أئمّة الزيديّة عيالٌ في الحديث على المحدّثين عند العامّة والإماميّة، وعيالٌ في الكلام على المعتزلة وما تجود به أذهانهم من مخترعاتٍ لا أصل لها في الشّريعة، ولا يقرّ بها عاقل، وقد أخذوا جملةً وافرةً منها عمّن ذكرنا، وبذلك تكون المعادلة الزيديّة: تعلّم الحديث والكلام من غيرك، ثم انتصب للإمامة بالسّيف، فتكون إماماً مفترض الطّاعة، وبمعجزةٍ زيديةٍ تصبح مصداقاً لـ(لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم) و(لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه).
وأيّ عاقلٍ مثلاً يقبل أنّ أبا طالب الهارونيّ أو أخاه أو المرشد بالله الجرجانيّ وأمثالهم ممّن ركض خلف الخاصّة والعامّة لجمع حديث رسول الله في القرن الرابع والخامس هو مصداقٌ لتلك الأحاديث الواردة في صفات آل محمّد؟
على أنّ هذا الأمر لا يخلو من طرافة وظرافة؛ فليتهم جمعوا الأحاديث جمع الخبير البصير، بل كانوا كحطّاب ليلٍ لا يميّزون المكذوب من الصّحيح، وهذا ما سنشير إليه قريباً.

الخميس، 21 سبتمبر 2023

نقد الزيديّة (1) || لماذا الإماميّة دون الزيديّة؟

بسم الله الرحمن الرحيم
نقد الزيديّة (1) || لماذا الإماميّة دون الزيديّة؟

سأل أحد الإخوة الأعزّاء سؤالاً مفاده: أنّ الباحث السنيّ أو غيره بعد علمه بضرورة اتّباع الثّقلين تبعاً للحديث الصّحيح المرويّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، لماذا يختار أكثر المستبصرين مذهب الإماميّة دون الزيديّة، مع أنّ الزيديّة ترفع راية إمامة أهل البيت عليهم السّلام، وترى أئمّتها مصداقاً للحديث النبويّ؟
والكلام في هذه المسألة طويلٌ جدّاً، ويحتاج إلى دراسة تاريخيّة وعقائديّة لمذهب الزيديّة، وسوف أشير إليها إجمالاً في منشورات لاحقة، إلّا أنني أطرح -من باب المقدّمة- النّظرة العامّة إلى مذهب الزيديّة، وجملةً من وجوه الخلل في الطرح العقائديّ لديهم، والتي سنفصّل الكلام فيها لاحقاً.
والذي يظهر من خلال مطالعة كتب التاريخ والكلام أنّ الزّيديّة في بدو أمرها كانت حركةً سياسيّةً، وسرعان ما تحوّلت إلى قالب دينيّ للحفاظ على وجودها؛ إذ كان الدّين هو مدار حياة الجماعات في القرون الأولى، وهو الذي يمكن أن يُسبغ صفة الشّرعيّة على مسيرتها، فكان لا بدّ من "مذهبة" هذه الحركة السياسيّة الثوريّة، ولذا اضّطرت -كغيرها من المذاهب كالعبّاسيّين وأمثالهم- إلى التّنظير والتقعيد الكلاميّ لادّعاءاتها، فضلاً عن اختلاق الأحاديث السّخيفة التي تفوح منها رائحة الوضع، ومع ذلك لم يخلُ أمرهم من معضلاتٍ وعقباتٍ تتعلّق بمسألة إمامة أهل البيت (عليهم السّلام) ومدى مصداقيّة كون أئمّتهم مصداقاً لحديث الثقلين وما ورد في الأحاديث من ذكر صفات الأئمّة، ومدى انطباقها عليهم. والأمر الآخر وهو الكلام في ميراث النبيّ والوصيّ -صلوات الله عليهما- ومدى صدق تحقّق دعوى الوراثة.
هذا ما سأتكلّم عنه تحديداً -وله فروع كثيرة-، ثم إن سنحت الفرصة نشير إلى ذكر مسائل متفرّقة تتعلق ببحث الجهاد والتقيّة وسيرة الأئمّة وغيرها إن شاء الله تعالى.

يُتبع..

الاثنين، 2 مايو 2022

موقف أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) من الخروج؛ قراءة تاريخيّة في رواية الصحيفة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم
موقف أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) من الخروج؛ قراءة تاريخيّة في رواية الصحيفة الكاملة
بقلم الشيخ إبراهيم جواد

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم محمّد بن عبد الله الصّادق الأمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم وظالميهم إلى يوم الدّين:-

تمثّل قراءة النصوص التراثيّة باباً واسعاً لفهم كثيرٍ من الحقائق التاريخيّة، ولذلك ينبغي الاهتمام بدراستها بدقّة، واستعراضها بأكملها والتّدقيق فيها من دون إهمالٍ أو تغاضٍ عن أيّ جزءٍ من أجزائها، فإنّ ذلك يؤدي إلى قراءة مبتورة تحرّف معالم التاريخ، وللأسف قد نرى بين الحين والآخر بعض الجهات التي تحاول تحريف الحقائق التاريخيّة من دون أدنى مراعاةٍ للمنهج العلمي.
ومن ذلك ما طالعتُه مؤخّراً من مقالةٍ لأحد الباحثين الزيديّة وقد حاول في مقالته أن ينسب الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السّلام) إلى ما أسماه بـ«ثوريّة وزيديّة الإمام موسى بن جعفر»، حيث أخذ بنقل الغثّ من روايات قومه التي تنسب الباقر والصادق والكاظم -صلوات الله عليهم- إلى تأييد الخروج على حُكّام الجور في زمانهم، ومع كثرة ما نقله الباحث من روايات الزيديّة في تأييد تلك الأكاذيب بقي ملتفتاً إلى مأزقٍ تاريخيٍّ كبيرٍ ينافي أكاذيب رواتهم، وهذا المأزق يكمن في روايةٍ تمثّل أهم وثيقة تاريخيّة من القرن الثاني الهجريّ وهي رواية الصّحيفة السجّادية التي تتضمّن عدّة محاوراتٍ ثريّة بالفوائد بين راوي الصحيفة (المتوكّل بن هارون) ويحيى بن زيد وكذلك مع الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السّلام).
ولمّا كانت هذه الوثيقة التاريخيّة المهمّة -التي لا يمكن تجاوزها- تمثّل عقبةً كبيرةً أمام ادّعاءات رواة الزيديّة أفرد لها ذلك الباحث مقالةً لتأوّل بعض فقراتها عبر تقديم قراءة مجتزأة؛ حيث أهمل فقراتٍ أخرى تأبى التأويل وتبيّن موقف الإمامين الباقر والصّادق (عليهما السّلام) من القيام بالسّيف، وفي مقام نقض تلك الدّعوى وبيان القراءة التاريخيّة الصحيحة نذكر هذه الملاحظات:

الملاحظة الأولى: إنّ كتب التراث الإسلاميّ خاليةٌ من أدنى إشارةٍ إلى تأييد الأئمّة الثلاثة (الباقر والصادق والكاظم) للخروج المسلّح على حكّام الجور، وإنّ كلّ ما يُروى في هذا الجانب إنّما هو ممّا انفرد بروايته الزيديّة دون غيرهم ولا يمكن الوثوق بهذه الشهادات المنفرد به لا سيّما مع قوّة دواعي الكذب كما هو واضح؛ فإنّ في ذلك جرّاً للنار إلى قرصهم، وقد شعر الباحث الزيديّ بهذا الإشكال أيضاً فحاول أن يُبرّر لنفسه بأنّ كتاب أبي الفرج الأصفهانيّ «مقاتل الطالبيين» قد روى شيئاً من ذلك إلّا أنّ هذا لا يرفع الإشكال فإنّ أبا الفرج الأصفهانيّ زيديّ المذهب كما نصّ عليه الشيخ الطوسيّ في «الفهرست»، وإنّ أسانيد تلك الروايات التي نقلها لم تخلُ من الزيدية وممّن لم تثبت وثاقته أيضاً، إذن: لم ترتفع إشكاليّة انفراد الزيديّة بهذا الأمر.
على أنّ هذه الأخبار أكثرها إمّا من المراسيل أو من رواية مَنْ لم تثبت وثاقته؛ ولذلك رأينا هذا الباحث يلجأ إلى قواعد عجيبة في تصحيح تلك الروايات من قبيل: تصحيح مراسيل أئمّته، والأخذ ببعض توثيقات العامّة مع تجاهل الجرح الوارد منهم بذرائع واهية، أو توثيقات متأخّري الزيديّة أحياناً، وكلُّ ذلك يُنبئ عن فقرٍ شديدٍ في المواد الرجاليّة والتاريخيّة لمعرفة أحوال تلك الروايات ورواتها.
وممّا حاول التبرير به أيضاً أنّ كتب السّيرة لم تهتم بتدوين تفاصيل أئمّة العترة، وهذا صحيح، إلّا أنّ المواقف والاتّجاهات العامّة في القضايا الخطيرة من قبيل الخروج على السّلطان لا تعدّ من «التفاصيل»، وها هم الأئمّة الذين عُرف عنهم تأييد الخروج على الحاكم لم تُنقل «تفاصيل» سيرتهم وحياتهم، إلّا أنّ مواقفهم السياسية المحوريّة قد نُقلت ودُوِّنت حتّى عند مخالفيهم أحياناً، ومن ذلك موقف أئمّة الزيديّة وكذلك موقف أبي حنيفة النعمان وغيره ممن كان يرى الخروج بالسّيف، والأئمّة الثلاثة (الباقر والصادق والكاظم) من أعلام العلماء وكبار بني هاشم في زمانهم، ولا يمكن أن يكون موقفهم خفيّاً إلى هذه الدرجة، فإنّ هذا الأمر ليس «تفصيلاً»، على أنّ في الكاظم خصوصيّة أخرى وهي أنّه قد سُجن في عهد هارون العبّاسي لفترة طويلة، ولو كان هناك علاقة بين سجنه وموقفه من الخروج لذكرت كتب السيرة ذلك، ولم ينقلوا شيئاً منه ولم يتمّ الربط بين السجن والموقف من الخروج، والسّجن ليس دالاً على «الثوريّة الزيديّة» بالضّرورة، بل قد يكون لدوران شبهة القيام بشؤون الإمامة بعد أبيه وجبي الأموال من شيعته كما ذُكر في بعض الرّوايات التي وردت في بيان أسباب سجنه (عليه السّلام).

الملاحظة الثانية: إنّ رواية المحاورة في مقدّمة الصحيفة السجّاديّة قد تضمّنت عدّة عبارات مهمّة ترتبط بمسألة الخروج بالسيف، وقد تجاهل الباحث الزيديّ أشدَّها وضوحاً، وذهب إلى تأوُّلِ بعضها الآخر، وقد تناول في بحثه عبارتين فقط:
العبارة الأولى: قول المتوكل بن هارون ليحيى بن زيد: (إنِّي رأيتُ النَّاسَ إلى ابن عمِّك جعفرٍ -عليه السّلام- أميل منهم إليك وإلى أبيك) فقال له يحيى: (إنّ عمّي محمّد بن عليّ وابنه جعفراً -عليهما السّلام- دَعَوا النّاس إلى الحياة، ونحن دعوناهم إلى الموت).
وقد تأوّلها الباحث الزيديّ بأنّ العبارة لا تدل على اختلافٍ مع زيد وابنه في الموقف من الخروج، بل إنّ الإمامين الباقر والصّادق (عليهما السّلام) اختارا عدم الخروج من واقع ظرفهم ومرحلتهم، وأرادا الاهتمام بنشر العلم، فكأنّ ذلك كان بمنزلة الدّعوة إلى الحياة!
وهذا التأويل البارد ينافي الموقف المنسوب إلى الإمامين (عليهما السّلام)؛ فإنّ الزيديّة تدّعي أنّهما مؤيِّدانِ للخروج وقتال الجائرين، فكيف يكون انشغالهما بالتعليم وبثّ العلم دعوةً إلى الحياة؟ ألم ينقل هذا الباحث ما رووه عن الصّادق (عليه السّلام) أنّه أمر ابنيه موسى وعبد الله بالبقاء والخروج مع محمّد بن عبد الله النفس الزكيّة للقتال معه؟! فكيف يصحّ وصف إنسانٍ يحثّ أبناءه على الخروج للقتال بأنّه (دعا النّاس إلى الحياة)؟! ومن يحثّ أبناءه ألا يحثّ شيعته على الأمر نفسه؟! هذا نزرٌ يسيرٌ من التّناقضات الجمّة بين روايات الزيديّة ورواية الصحيفة الكاملة.
وقد قال هذا الباحث عن الإمامين (عليهما السّلام): (لكن عندما يقوم الإمام الدّاعي من العترة تجدهُما عليهما السلام أسرع من يُبايعُ الإمام الدّاعي ويحثّون النّاس على الخروج معه إلاّ أنّ الرافضَة لم تستجب لذلك حُبّاً للسّلامة ورغبةً عن الجهاد وتعريض النّفس للاستشهاد في سبيل الله، والله المُستعان)، وهذه العبارة خيرُ دليلٍ يبيّن وهن تأويلاته؛ فإنّ عبارة يحيى بن زيد تقول إنّ الصّادق (عليه السلام) دعا النّاس إلى الحياة، وصاحبنا هذا البحّاثة النبيه يقول إنّه يحثّ الناس على الخروج للقتال، فهل الحثّ على القتال أصبح مساوياً لدعوة الناس إلى الحياة؟! وأيّ القولين يصدِّقُ العاقل: قول باحث متعصّب لمذهبه يزعم أنّ الصادق (عليه السّلام) دعا الناس للخروج والموت، أم قول يحيى بن زيدٍ الذي نَسَبَ الإمامَ إلى دعوة الناس إلى الحياة (ترك الخروج)؟!
العبارة الثّانية: قول يحيى بن زيد: (إنّ الله أيّد هذا الأمر بنا، وجعل لنا العلم والسّيف فجُمِعَا لنا، وخُصَّ بنو عمِّنا بالعلم وحده).
وقد تأوّلها الباحث الزيديّ بأنّ الإمامين الباقر والصّادق (عليهما السّلام) اختارا طريق العلم، وأنّ زيداً وابنه اختارا طريق العلم والسّيف أي الدّعوة بالإمامة، وكلاهما له عذرٌ من الشّرع، وهذا لا يعني أنّهما مخالفَيْنِ لطريقة الزيديّة.
أقول: إنّ قراءة رواية الصحيفة الكاملة من أوّلها إلى آخرها يبيّن للمنصفِ المرادَ من هذه العبارة التي أطلقها يحيى بن زيد، ونحن نذكر عدّة فقرات تبيّن حقيقة موقف الإمامين الباقر والصّادق (عليهما السّلام)، وهذه العبارات قد تجاهلها هذا الباحث في مقالته فلم يتعرّض لها من قريب ولا من بعيد، وهذا الفعل من أجلى الشواهد على سُقم القراءات المجتزئة للنصوص والمحرّفة للحقائق، وهنا نذكر العبارات المهمّة التي تمّ تجاهلها:
الفقرة الأولى: بداية المحاورة بين المتوكّل بن هارون ويحيى بن زيد.
قال المتوكّل: (لقيت يحيى بن زيد بن عليّ -عليهم السّلام- بعد قتل أبيه -عليه السّلام- وهو متوجّهٌ إلى خراسان، فسلّمت عليه، فقال لي: من أين أقبلت؟ فقلت: من الحجّ. فسألني عن أهله وبني عمِّه بالمدينة، وأحفى السُّؤال عن جعفر بن محمّد -عليهما السّلام- فأخبرته بخبره وخبرهم وحُزنهم على أبيه زيد بن عليّ -عليهم السلام- فقال لي: قد كان عمِّي محمّد بن عليّ -عليهما السّلام- أشارَ على أبي بترك الخروج وعرَّفَهُ إنْ هُوَ خرج وفارق المدينةَ ما يكون إليه مصير أمره، فهل لقيت ابنَ عميّ جعفر بن محمّد -عليه السلام-؟ قلت: نعم، أصلحك الله تعالى. قال: فهل سمعته يذكر شيئاً من أمري؟ قلت: نعم. قال: بمَ ذكرني؟ خبّرني. قلت: جُعلت فداك، ما أُحِبُّ أن أستقبلك بما سمعتُه منه. فقال: أبالموت تخوّفني؟ هات ما سمعتَه منه. فقلت: سمعتُ أنّك تُقتَل وتُصلَب كما قُتِلَ أبوكَ وصُلِبَ. فتغيّر وجهه..إلخ).
وهذه الفقرة تمثّل نصّاً واضحاً وجليّاً في بيان موقف الإمام الباقر (عليه السّلام) من فكرة خروج أخيه زيد (رحمه الله)؛ وأنّه كان عالماً بما سيؤول إليه أمره من القتل والصّلب، وموقف الإمام -صلوات الله عليه- مستندٌ إلى شيء من العلم الإلهيّ وليس من التحليل والظنون البشريّة في شيء، وسيتّضح هذا من ذيل الرواية -وسيأتي ذكره-.
الفقرة الثانية: الإخبار الإلهيّ عن مدّة ملك بني أميّة.
قال المتوكّل: (قال لي أبو عبد الله -عليه السّلام-: يا متوكّل، كيف قال لك يحيى: إنّ عمّي محمّد بن عليٍّ وابنه جعفراً دعوا النّاس إلى الحياة ودعوناهم إلى الموت؟! قلت: نعم؛ أصلحك الله قد قال لي ابن عمّك يحيى ذلك. فقال: يرحم اللهُ يحيى، إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليٍّ -عليه السّلام- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وآله- أخذته نَعْسَةٌ وهو على منبره فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نَزْوَ القردة يردّون النّاس على أعقابهم القهقرى، فاستوى رسول الله -صلّى اللّه عليه وآله- جالساً والحُزن يُعرَفُ في وجهه، فأتاه جبريل -عليه السّلام- بهذه الآية: (وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلّا فتنةً للنّاس والشّجرة الملعونة في القرآن ونخوّفهم فما يزيدهم إلّا طغياناً كبيراً) يعني بني أميّة، قال: يا جبريل، أعلى عهدي يكونون وفي زمني؟! قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسةٍ وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لا بدّ من رحى ضلالةٍ هي قائمة على قطبها، ثمّ ملك الفراعنة.
قال: وأنزل اللهُ تعالى في ذلك: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهرٍ) تملكها بنو أميّة ليس فيها ليلة القدر.
قال: فأطلع اللّه عزّ وجلّ نبيّه - عليه السّلام - أنّ بني أميّة تملك سلطان هذه الأمّة وملكها طول هذه المدّة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتّى يأذن اللّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا، أخبر اللّه نبيّه بما يلقى أهل بيت محمّدٍ وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيّامهم وملكهم.
قال: وأنزل اللهُ تعالى فيهم: (ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمت الله كفراً وأحلّوا قومهم دار البوار جهنّم يصلونها وبئس القرار) ونعمةُ الله محمّد وأهل بيته، حبّهم إيمان يدخل الجنّة، وبغضهم كفر ونفاق يدخل النّار، فأسرّ رسول الله -صلّى اللّه عليه وآله- ذلك إلى عليٍّ وأهل بيته)، انتهى.
وهذه الفقرة تشير إلى علم الأئمّة (عليهم السّلام) بعدم زوال ملك بني أميّة قبل انقضاء مدّته، وبناءً عليه فلا يكون للخروج جدوى مؤثّرة في إزالة مُلكهم، وهذه المعرفة مؤثّرة في حكمهم بعدم رجحان القيام بالسّيف في ذلك الوقت، ويوضّح هذا بشكل أكبر ما سيأتي في الفقرة الآتية.
الفقرة الثالثة: القول الصّريح من الإمام الصّادق (عليه السّلام) في مسألة الخروج.
قال المتوكلّ: (ثمّ قال أبو عبد اللّه -عليه السّلام-: ما خرج ولا يخرج منّا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحدٌ ليدفع ظُلماً أو ينعش حقّاً إلّا اصطلمته البليّة، وكان قيامُه زيادةً في مكروهنا وشيعتنا).
وهذا القولُ نصٌّ صريحٌ في موقف الإمام الصّادق (عليه السّلام) من خروج زيد (رحمه الله) وغيره من الهاشميّين.
وهذه النصوص الواضحة الجليّة لم يستعرضها ذلك الباحث فيما أورده في مقالته؛ ومنه تعرف آثار اجتزاء النصوص وتجاهل الحقائق عند تقديم أيّ قراءة تاريخيّة.

هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بدعوى زيديّة الأئمّة (عليهم السّلام) وميلهم للخروج على الظّالمين بالنّحو الذي يدّعيه الزيديّة، وهذا لا يعني أنّ الأئمّة كانوا ممن ركن إلى الظالمين أو أنّهم لم يكن في حسابهم العملُ على إزالة دول الجور، ولكنّ منهج أهل البيت (عليهم السّلام) في مسألة القيام مختلفٌ تماماً وله تفاصيل طويلة لا يسعها المقام، لعلّنا نوضحها في وقت آخر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


وفي الختام؛ للقارئ المنصف أن يقارن ويحكم بين الدّعويَيْن
1- دعوى الباحث الزيديّ: الباقر والصّادق (ع) حثّا النّاس على الخروج.

2- قول يحيى بن زيد إنّ الباقر والصّادق دَعَوَا النّاس إلى الحياة (ترك الخروج)

الأحد، 8 أغسطس 2021

حقيقة كتاب كسر الصّنم لأبي الفضل البرقعيّ

بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة كتاب كسر الصّنم لأبي الفضل البرقعيّ

في شهر أبريل سنة 2018 كتبتُ بمعيّة بعض الإخوة مجموعةً من المنشورات حول حقيقة بعض إصدارات المُنتحل المتطفّل (محمد حسين ترحيني) ومقدار السّرقات العلميّة في كتابه (عقائد الإمامية بين الأصيل والدخيل)، وبيّنا في ملفٍ خاصٍّ - تجدونه في هذا الرابط "هنا" - حجم السرقات في الكتب والنسخ واللصق من الكتب الأخرى، وكان من جملة مصادر سرقاته بعض كتب أبي الفضل البرقعيّ الذي اعتنت الحركة الوهّابية بتحقيق كتبه وترجمتها ونشرها، وهو ما يدلّ على تأثّره الشديد بقلم هذا الرجل، وفي هذا السياق، أعلن خبير السّرقات والانتحالات محمد حسين ترحينيّ أنّه قام بتحقيق كتاب (كسر الصّنم) للبرقعيّ المذكور، مع أنّ الكتاب مُترجَمٌ ومطبوعٌ منذ سنوات طويلة ولا أعتقد أنّ سارقاً فارغاً من العلم يمكنه أن يأتي بجديد في عمله هذا، إلّا أنّه لتأثّره به سارع إلى إحياء تراثه مجدّداً.

وفيما يخصُّ هذا الإصدار الجديد، رأيتُ من المناسب أن أسلّط الضوء على المستوى العلميّ لهذا الكتاب بإيجازٍ بما يُظهر مستوى الكاتب المؤلّف، والمروّج الأحمق المعجَب بهذا المستوى الهابط من الكتابات الفارغة. وسوف أعتمد في هذه المقالة على الطبعة الصّادرة في الأردنّ عن دار البيارق سنة 1998م.

إنّ الفكرة الأساسيّة لكتاب (كسر الصّنم) هي نقد روايات كتاب الكافي الشّريف سنداً ومتناً، وقد نحا المؤلّف في ذلك منحى الاختصار والإيجاز، إلّا أنّ كثيراً من تعليقاته على أحاديث الكافي تُظهر جهلاً في جانب المعرفة بالرّجال والدّراية، بالإضافة إلى ضعفٍ شديدٍ في فهم الرّوايات حتّى على مستوى الإلمام بمعاني الألفاظ العربيّة. وأمّا إطلاقه للدعاوى غير المستندة إلى دليل فهو من الكثرة بمكان. ويجمعُ هذا الضّعف في كل الجوانب اتّصافه بالافتقار إلى المنهج، فما لا يكون مبنيّاً على منهجٍ واضحٍ لا يمكن الاعتماد عليه في إقناع الآخرين؛ لأن ذلك سينجرّ إلى إطلاق الأقوال المتهافتة والمتناقضة. هذا ما يمكن بيانه بإيجاز بشأن الكتاب، وأما تفصيل ذلك فسوف نشير إليه في عدّة مقامات. 
1. المقام الأوّل: الافتقار إلى المنهج.
2. المقام الثاني: ضعف المعرفة الرّجالية وإطلاق دعاوى لا أصل لها.
3. المقام الثالث: ضعف فهمه للروايات وإدّعاء لوازم فاسدة بناءً على فهمه السقيم.

المقام الأوّل: الافتقار إلى المنهج.
إنّ العمل على نقد الحديث وتحقيقه يستدعي الالتزام بالمنهج العلميّ والتقيّد به، فلا يطلق الباحث أقوالاً لا مستند لها، ولا ينسب أموراً مبنيّةً على ذوقه الخاص ليُلزم بها الآخرين وهي مفتقرة إلى الدّليل، ولا يتسرّع في نقد الحديث بناءً على فهمه السّقيم متجاوزاً بذلك ضوابط الاستظهار وأساليب فهم النصّ.
وإذا طالعنا كتاب (كسر الصنم) عرفنا أنّ المؤلّف قد ابتُلي بهذه الآفات، ولم يكن متقيّداً بمنهج علميّ مقنِع، بل كان يسرد قناعاته الشخصيّة من دون أيّ برهنةٍ ولا استدلالٍ إلّا فيما شذّ وندر، حتّى إنّه لا تكاد تخلو صفحةٌ من إشكالاتٍ متعددة، ولذلك تجاوز مرحلة إقامة البرهان إلى إطلاق الآراء والنتائج مُرسلاً إيّاها إرسال الواضحات. وسنذكر نماذج من هذا القبيل في المقامين الآتيين.

المقام الثاني: ضعف المعرفة الرّجالية وإطلاق دعاوى لا أصل لها.
من الواضح لمن تصفّح الكتاب وكان على درايةٍ ببديهيّات علم الرّجال والدراية أنّ هذا الرجل ليس له حظّ من التحقيق والمعرفة، وإنّما يعتمدُ على معلوماتٍ مشوّشةٍ بالإضافة إلى دعاوى لا أصل لها تتحيّرُ بها ألبابُ المحقّقين والباحثين في هذا المجال، ومن ذلك:
[1] قوله عن الشيخ أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ إنّه ضعيف؛ لأنّه كان شاكّاً في الدِّين، وهذا مبنيٌّ على فهم خاطئ لروايةٍ وردت في الكافي، وقد بيّناها في هذه المقالة [هنا] وذكرنا كلام السيّد بحر العلوم والسيّد الخوئيّ في دلالتها.
[2] قوله (ص45) عن بداية السند الأوّل في الكافي: (جاء في سنده "أخبرنا" ولا يُعلم من الذي قال "أخبرنا")، وأيّ إنسانٍ له دراية واطّلاع على كتب الحديث يعلمُ أنّ جملةً من كتب الحديث تبدأ بهذا الشكل، وأنّ القائل يكونُ أحد رواة الكتاب. بطبيعة الحال، هذا ليس مُطّرداً، ولكنّه واقع في جملة من كتب الحديث عند الشيعة والسنة، ومن ذلك ما وقع في كتاب الكافي للشيخ الكلينيّ وكتاب سنن سعيد بن منصور؛ فإنّك تجدُ في بداية كل حديث قول: (حدّثنا سعيد)، وليس هو القائل، بل راوي الكتاب عنه. فانظر إلى مدى جهله بكتب الحديث.
[3] قوله (ص46) (ص49) وفي موارد متعددة أنّ ابن فضّال واقفيّ، وقد كرر ذلك من أوّل كتابه إلى آخره في موارد كثيرة، وواضحٌ جداً أنّ هذا الرجل لم يكن واقفياً قط بل لا دليل على ذلك، بل كان فطحيّاً، وقد رُوي عنه الرّجوع إلينا كما في (رجال النجاشيّ)، ولكن المؤلّف المتسرع لم يسعه التمييز.
[4] قوله (ص58) عن عبد الله بن ميمون القدّاح أنّه كان فاسداً وفاسقاً وصانعاً ومؤسساً للمذهب الإسماعيليّ، ووصفه بالمؤسس أيضاً مرة أخرى (ص61)، وقد خلط في هذا بين عبد الله بن ميمون القدّاح الإماميّ وعبد الله بن ميمون القدّاح الإسماعيليّ، والفوارق بينهما متعدّدة، وليس بينهما أيّ اشتراك سوى في الاسم، وقد تعرّض لهذه المسألة بالتفصيل الشيخ جعفر السبحاني في كتابه (بحوث في الملل والنحل، ج8، ص47-65)، فراجع.
[5] قوله (ص61) في تقييم أحد الأحاديث: (لا يصح سنده برأينا، لوجود حريز الذي كانت له عصابة تغتال الناس وقد سلّ السيف آخر الأمر لقتال الخوارج، وقد قُتل مع أصحابه، ولم يسمح سيدنا الصادق له بالدخول)، وفيما يتعلّق بحريز السجستانيّ فإنّ وصفه بأنّ له عصابة تغتال الناس إيهامٌ بأنّه كان مجرماً يقتل الأبرياء، وهذا لم يُذكر في سيرته. نعم؛ ذُكر أنّه سلّ السيف لقتال الخوارج، وأين هذا من اغتيال الناس؟ ثم إنّ حجب الصادق عليه السلام له كان بسبب دخوله في النشاط المسلّح ضد الخوارج، وكان هذا لجهة التقيّة، فلا يدلّ على تضعيفه. فانظر إلى أسلوبه في تضعيف الأحاديث كيف يأتي بأمورٍ مذكورة ثم يخلطها بأشياء من عنده، ليخرج بالنتيجة المسبقة التي يهواها! والجدير بالذكر، أنّ العلماء لا يختلفون في وثاقة حريز السجستانيّ.
[6] قوله (ص77) إنّ كتاب سليم في نصٌّ على أنّ عدد الأئمة ثلاثة عشر، وقوله (ص341) عن بعض روايات الكافي أنّها تدلّ على ذلك أيضاً، وقد عالجنا هذه المسألة في مقال مستقل بعيداً عن التهويلات التي يضخّمها أمثال البرقعي [هنا].
[7] قوله (ص46) عن سيف بن عميرة إنّه كان ملعوناً من الأئمّة، ولم يثبت ذلك، ولعلّ ذلك مبني على توهّم كونه واقفياً ولم يثبت أيضاً، وقد تعرّض لهذه المسألة السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث، ج9، ص383.
[8] ومن عجائب المؤلّف نسبة بعض المقولات إلى جملة من الرواة من دون أن يكون لذلك أثرٌ في سيرتهم، ومن ذلك:
- قوله (ص112) عن الثقة الجليل الحسن بن محبوب إنّه من الغلاة!!
- قوله (ص149) عن سهل بن زياد الآدميّ إنّه كان مقلداً للصوفيّة!!
- قوله (ص297) عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ إنه كان مذهبه الغلوّ، ولم يثبت ذلك بل دونه خرط القتاد!!

ومن الخلل المنهجيّ في التعامل مع البحث الرّجالي أنّك تجده سريع التضعيف والتكذيب لمئات الأخبار بأيسر جهدٍ، وفي مقام تضعيف بعض الرواة يقول إنّ فلاناً لعنه الأئمّة، فأين هي الروايات المعتبرة التي تفيد لعن الأئمة لهذا الراوي أو ذاك؟ وكيف أحرز صحّة أسانيدها وفيها كثيرٌ من الرواة الضعفاء بحسب ما التزم به؟! وبهذا يظهرُ أنّ الرواية التي يراها نافعةً لمطلبه يغضّ النظر عن البحث في سندها ومتنها، ويُطلقها كأنّها مسلّمة بلا شكّ!! وإذا كانت خلاف هواه تكلّف إيجاد العلل القادحة ولو لم يكن لها أصلٌ معتبرٌ، أليس هذا من التناقض والتلاعب؟! 
ومن ذلك أيضاً: تضعيفه لبعض الثقات بذريعة أنّهم رووا الخرافات أو رووا روايات تعارض القرآن أو أنّ بعضهم روى روايات فيتحريف القرآن وبذلك ضعّف معاوية بن وهب والحسن بن محبوب ومحمد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ وأبي هاشم الجعفريّ وعلي بن إبراهيم القميّ الذين اتّفق جمهور أهل العلم على توثيقهم، وأيّ منهج هذا؟ بل هذا أقرب إلى اللّعب والطفوليّة، فهل يلزم من كون الراوي ناقلاً لأخبار مردودة أن يكون ضعيفاً؟ إذن للزم من ذلك ردّ كل أحاديث المسلمين من كل الفرق والطوائف، وهذا يستلزم بناء دين جديد لا فقه جديد فقط!! فإنّا لم نجد أحداً من علماء الحديث عند أي فرقة من فرق الإسلام تضعّف راوياً لأنّ بعض رواياته فيها إشكال، فكيف لو كانت إشكالات البرقعيّ على روايات أولئك متهافتة وضعيفة وكاشفة عن سوء فهمٍ وجهل بالقرآن ولغة العرب؟! وكيف لو كانت بعض أفكار البرقعيّ التي يريد أن يجعلها أصلاً لرمي الرواة بالغلوّ تنافي ما اتّفق عليه جمهور المسلمين ورواياتهم الصحيحة، فمثلاً قد عدّ البرقعي علمُ أمير المؤمنين عليه السلام بشهادته على يد ابن ملجم من قول الغلاة مع أنّه ثبت برواية رواة أهل السنة ومحدّثيهم الذين هم أبعد الخلق عن المغالاة في أهل البيت (عليهم السلام) وقد ذكروا ذلك بأصحّ الأسانيد [هنا].
ومن الخلل أيضاً احتجاجه بأدعية الإمام السجّاد عليه السلام في الصحيفة السجادية لبيان مدح الصحابة (انظر: ص221)، وفي الوقت نفسه يقول إنّ الإمامة ليست مختصّةً بأحدٍ وإنّما هي لكل من يليق لها من المسلمين (انظر: ص222-223)، في حين أنّ الإمام السجّاد عليه السلام في دعاء عرفة ينصُّ على أنّ الله جعل خلافته في آل محمّد عليهم السلام، قال: (ربّ صلّ على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك، وجعلتهم خزنة علمك، وحفظة دينك، وخلفاءك في أرضك، وحججك على عبادك وطهّرتهم من الرجس والدنس تطهيراً بإرادتك، وجعلتهم الوسيلة إليك، والمسلك إلى جنّتك)، فما الوجه في هذه الانتقائيّة المزاجيّة؟! فمتى كانت نصوص الصحيفة تلائمه أخذ بها، ومتى خالفت رأيَه أعرض عنها وتجاهلها، فهل هذا منهج علميّ أم ذوقيّ؟!
وفي طيّات الكتاب تراه يدقّق في بعض الأسانيد، حتى إذا جاء إلى معتقداته أطلقها بلا دليل من دون حاجة إلى سندٍ صحيحٍ، ومن ذلك ما نسبه في (ص52) أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله قال: (خيرُ القرونِ قرني)!!! وفي مقدّمة كتابه (ص28) ينسب للإمام الصادق عليه السلام أنّه أمر بعدم دعوة النّاس إليهم، محتجّاً بأحاديث باب (ترك دعاء الناس) الوارد في الجزء الثاني من الكافي، وكل أسانيد ذلك الباب ضعيفة على رأي البرقعي، وقد طعن في رواتها جميعاً بشكل مباشر أو غير ذلك، فمتى أراد الاحتجاج بحديث أطلقه، ومتى لم يعجبه آخر بدأ بالطّعن في إسنادها!! فهل هذا عملٌ منهجيٌّ أم ذوقيٌّ؟

والحاصل: هل يريد البرقعيّ أن يحاجج الآخرين وفق القواعد العلميّة أم وفق آرائه ونتائجه التي لم يذكر دليلاً عليها ولم يسهب في التأصيل لها؟! إن نمط الفتاوى الجاهزة لا يصلح لمحاكمة كتابٍ عريقٍ من كتب الحديث بهذه البساطة والسطحيّة، وإلا فيمكن لكل شخص أن يخترع قواعد من عنده ثم يستشكل بها على ما يشاء من نصوص الدين.

المقام الثالث: ضعف فهمه للروايات وإدّعاؤه لوازم فاسدة بناءً على فهمه السقيم.
أما بالنسبة لفهم الحديث، فالرجل غارقٌ في ظلمات الجهل بسبب قلة معرفته باللغة العربيّة، وجهله بلسان الروايات الشريفة، وحيث إنّ إيراد جميع ما ذكره من الطوام الفاضحة متعذّر نقتصر على ذكر بعض النماذج، فمنها:
[1] قوله (ص45) عن الحديث الأوّل في الكافي: (وأمّا متنه فغير صحيحٍ؛ حيث وضع العقل مقابل الجهل، بل الجهلُ يقابل العلم).
وهذا دالٌّ على جهله بكلام العرب؛ فإنّ اصطلاح "الجهل" الوارد في روايات الباب ليس بمعنى "عدم العلم"، بل هو بمعنى السَّفَه، قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة): ( الجيم والهاء واللام أصلان: أحدهما خلاف العلم، والآخر الخفّة وخلاف الطمأنينة)، والمراد بالعقل هو القوّة العمليّة التي تبعث على التصرّف بحكمة واتّزان بدون خفّة وسفه. ويدلّ على ذلك ما ذُكر في حديث جنود العقل والجهل، حيث ذُكرت الصفات العمليّة التي يتضح من خلالها حكمة الإنسان واتزانه ومدى الفضيلة فيه أو سفاهته وخفّته ومدى الرذيلة فيه.
[2] قوله (ص45) عن الحديث الثالث إنّه فيه إشكال؛ لأنه يدل على أنّ معاوية لا عقل له وبالتالي فهو غير مكلّف، ولفظ الرواية: (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما العقل؟ قال: ما عُبِدَ به الرحمن واكتسب به الجنان. قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل)، وإشكاله أيضاً يكشف عن جهله بلغة العرب، فالعقل الوارد في الرواية هو كما ذكرناه آنفاً ولذلك عرّفه بقوله: ما عُبِد به الرحمن واكتُسِب به الجنان. وليس المراد بالعقل العقل النّظريّ وقوّة الإدراك، فهذه موجودة في معاوية وغيره. واشتقاق العقل من عِقال النّاقة؛ لأنه يعقلها ويمنعها من الانفلات، ومن معاني العقل في لسان العرب ما يمنع من السّفه والقول والفعل المذموم.
إذا اتّضح هذا فيكون المراد من الرواية أنّ معاوية لا عقل له بمعنى أنّه كان فاجراً فاسقاً لم يكن يمتنع عن السفيه القول والفعل، وتدل على ذلك سيرته.
[3] إشكاله (ص49) على حديث "إنّ رسول الله لم يكلّم أحداً بكُنه عقله قطّ"، قال: (فإذا لم يتكلّم بكُنه عقله فبماذا كان يتكلّم ؟) والجواب واضحٌ من خلال تتمّة الرواية، وهو أنّ رسول الله كان يكلّم الناس على قدر عقولهم لا على قدر عقله؛ فإنّ عقله كان أتمّ وأوفر من عقول سائر الخلائق، ولذلك ورد في تتمة الرواية أنّ الأنبياء أُمروا أن يكلّموا الناس على قدر عقولهم.
[4] روى الكلينيّ بسنده عن المفضّل بن عمر، قال: (وجّه أبو جعفر المنصور إلى الحسن بن زيد وهو واليه على الحرمين أن أحرق على جعفر بن محمد داره، فألقى النار في دار أبي عبد الله فأخذت النار في الباب والدهليز، فخرج أبو عبد الله عليه السلام يتخطى النار ويمشي فيها ويقول: أنا ابن أعراق الثرى، أنا ابن إبراهيم خليل الله).
قال البرقعيّ (ص312-313) في الإشكال على الرّواية: (وهذا العمل منه مخالف للعقل والقرآن، لأن سيدنا إبراهيم لم يذهب ويلقي بنفسه في النار بل ألقاه أعداؤه فجعل فجعل الله النار عليه برداً وسلاماً كما قال في القرآن: (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً) ولكنه في هذا الخبر جعل الإمام الصادق عليه السلام يتخطى النار ويمشي فيها طواعيةً. ثانياً: إن اجتناب النار واجب بحكم العقل والقرآن سواءً في ذلك الإمام أو المأموم، ثالثاً: ليس لأحدٍ من الناس أن يفتخر بآبائه وأجداده ويمشي على النّار).
فانظر إلى هذا الأسلوب المتهافت في الإشكال على الرواية، فمن الواضح أنّ الروايةَ ناظرةٌ إلى الجنبة الإعجازيّة وهي مشي الإمام في النار مع عدم إحراقها له، بالإضافة إلى ذكره لأبيه إبراهيم عليه السلام للتذكير بمقامه منه وتشاكل الحال بينه وبين خليل الله، ولذلك لم يذكر غيره من الأنبياء، وإنّما خصّ خليل الله بالذكر لمناسبة الحال.
[5] قوله ص317: (ثم هل الجنّة موجودة الآن أم أنها ستوجد؟! كثير من المحققين يقولون إنّ الجنة غير مخلوقة والله أعلم) وهذا القول خلاف جمهور المسلمين سنة وشيعة.
[6] إشكاله على ورود اسم الإمام الحجة في حديث اللوح مُقطّعاً (م ح م د)، فقال (ص338): (والدليل الآخر على كذب هذا أنه يقول إنّ الله عمل بالتقية وذلك أيضاً مع رسوله، ورمز اسم محمد بن الحسن العسكري (م ح م د) فهل يحتاج الله سبحانه أن يعمل بالتقية مع رسوله؟ حاشاه سبحانه) وهذا جهلٌ فظيعٌ منه؛ فإنّ تقطيع اسم الإمام ناشئ عن عادةٍ درجت لدى المحدّثين تبعاً لأحاديث النهي عن التصريح باسمه، كما نصّ على ذلك الميرداماد في (شرعة التسمية، ص83) والفيض الكاشاني في (الوافي، ج2، ص299)، فانظر إلى مبلغ علم هذا الرجل ومدى معرفته بكتب الحديث ودرايته بما فيها وطريقة عمل مؤلّفيها حتى أنّه يظنّ شيئاً صنعه المحدّث هو من صنع الله!!!!
[7] قال (ص300): (سُئل عن معنى (السلام على رسول الله) من الإمام، وكان السائل داود بن كثير الرقيّ الذي ضعّفه علماء الرجال وعدّوه فاسد المذهب ومرجعاً للغلاة والراوي عنه أيضاً هو محمد بن سنان الكذّاب. والآن لنرَ ماذا كان جواب الإمام أو ماذا اختلقوا على لسان الإمام، قال: السلام هو أرض فيها كل ما تريدون ولا خصومة فيها أعدها الله للنبيّ وأهل البيت والشيعة.
ويبدو أنّ هؤلاء الرواة لم يكونوا يعرفون لغة العرب فبناءً على هذه الرواية وعندما يقول الناس (السلام على رسول الله) يجب أن يقولوا: (السلام لرسول الله) ولكن الرواة كانوا جهلة، وهل كان الكلينيّ إلا كأهل إيران إذ لم يكن له معرفة في كلام العرب).
ولا أدري لِمَ استثنى البرقعيّ نفسه مع أنّه أيضاً من أهل إيران! وعلى أيّ حال، فما نسبه من فهمٍ للرواية يثبت أنّه هو الذي لا يفهم كلام العرب، وأنه أجدرُ أهل إيران بهذا الوصف، فالرواية لم تقل إنّ السلام = هو أرض. بل ما في الرواية: أنّ السلام على رسول الله تذكيرٌ بالميثاق وتجديدٌ له على الله، ومن لوازم هذا الميثاق أنّ الله سيكافئ أولياءه وشيعتهم بالأرض المباركة والحرم الآمن حيث لا خصومة ولا أعداء..إلخ الرواية، وبناءً على ذلك: من هو الجاهل بلغة العرب؟ إنّ مثل هذه الإشكالات أحرى بأن تكون ضمن الطّرائف والنوادر!!

وهكذا امتلأ كتابه بهذا المنطق الغثّ في نقد الأخبار حتّى أنّه يعدّ كل علمٍ للغيب غلوّاً مع ثبوت ذلك للنبي وأمير المؤمنين عليه السلام في كتب العامّة أيضاً، ويعدّ كل خارق للعادة غلواً مع اتفاق جمهور المسلمين سنة وشيعة على جواز صدور خوارق العادات من الأولياء والصالحين، وهكذا كان ينقد الأخبار بذوقه الخاص من دون حجّة ملزمةٍ لأحد من الشيعة فضلاً عن غيرهم، وبهذا وغيره يتّضح مدى ضعف الكتاب وتهافته وعدم إتيانه بأدنى لوازم النقد العلميّ لأحاديث كتاب الكافي، لا على مستوى انتظام منهج النقد، ولا على مستوى الدراية بالرجال ومعرفة اللسان العربيّ وفهم الأخبار.
والحاصل: إنّ البرقعي كان إنساناً بسيطاً لا حظّ له من العلم والتحقيق، وقد امتطاه الوهابيّة لتحقيق مآربهم بالطعن في التشيع، والآن يوجد من يرى فيه باباً من أبواب الاستثمار فعمل على توظيف كتبه بعد أن أكل الدهر عليها وشرب.

السبت، 24 يوليو 2021

فهرس مقالات المدونة

بسم الله الرحمن الرحيم


[1] رسالتنا
[2] هل تثبت إمامة الإمام بروايته؟ وهل يستلزم ذلك الدور؟
[3] لماذا لم تستخدم الزهراء عليها السلام حديث لوح جابر لإثبات الإمامة؟
[4] مغالطات في شأن الإمامة «1»
[5] مغالطات في شأن الإمامة «2»
[6] مغالطات في شأن الإمامة «3»
[7] مغالطات في شأن الإمامة «4»
[8] مغالطات في شأن الإمامة «5»
[9] مغالطات في شأن الإمامة «6»
[10] نقض بعض الإشكالات حول إمامة الإمام الكاظم (عليه السلام)
[11]الحيرة بعد الإمام الصادق (عليه السلام) وروايات الخلفاء الاثني عشر..
[12] النصّ على الإمام الكاظم (ع) بين المحكمات والمتشابهات
[13] زيارة الأربعين عند السيد الخوئي
[14] نقض شبهات ميثاق العسر حول حديث (يؤذيني ما آذاها) – الحلقة الأولى
[15] نقض شبهات ميثاق العسر حول حديث (يؤذيني ما آذاها) – الحلقة الثانية
[16] الشيخ الكليني ورواية «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة».
[17] ميثاق العسر والكذب على السيّد الخوئي - الحلقة الأولى
[18] ميثاق العسر والكذب على السيد الخوئي – الحلقة الثانية
[19] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الأولى
[20] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الثانية
[21] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الثالثة
[22] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الرابعة
[23] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الخامسة
[24] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة السادسة
[25] ميثاق العسر واعتبار بعض أسانيد حديث «إن الله يغضب لغضب فاطمة» - الحلقة الأولى
[26] ميثاق العسر واعتبار بعض أسانيد حديث «إن الله يغضب لغضب فاطمة» - الحلقة الثانية
[27] ميثاق العسر واعتبار بعض أسانيد حديث «إن الله يغضب لغضب فاطمة» - الحلقة الثالثة
[28] ميثاق العسر يعترف: حديث «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني» هو حديث قطعيّ الصدور عن النبي (ص)
[29] جنبلاط الحوزة العلميّة: ميثاق العسر يعترف بأنّه على خُطى ذوي الأقلام المأجورة، فمن استأجره؟!
[30] جنبلاط الحوزة العلميّة: فنونُ التملُّق نحو المرجعية العليا في النجف الأشرف
[31] جنبلاط الحوزة العلمية: يحوطون التقليد ما درّت معايشهم، فإذا فُتنوا منعوا التقليد!
[32] فضيحة ميثاق العسر واعترافه بأنّه كذّاب مزوّر
[33] نقض شبهة تحريف الصدوق رواية ابن جندب في سجدة الشكر
[34] كلام حول سلخ رأس سيد الشهداء (عليه السلام)

سلسلة منشورات نقد الزيدية

الخميس، 26 نوفمبر 2020

دعاء زمن الغيبة

بسم الله الرحمن الرحيم
دعاء زمن الغيبة

- لا يخفى أنّ الدعاء لصاحب الزّمان (عجّل الله فرجه الشريف) يبني علاقةً روحيّة بين العبد ومولاه، وارتباطاً عميقاً متجذّراً في نفس الإنسان المؤمن، حيث يستشعر دوماً معيّة عناية الإمام ولطفه به، وهذا الارتباط بدايةٌ للورود في وادي التوفيقات الإلهيّة، حيثُ يقود الإمام صلوات الله عليه أزمّة أمور المؤمنِ، ويسدّده لما فيه الخير والصلاح.
إنّ المؤمن إذا دعا لأخيه بظهر الغيب جنى ثماراً عظيمةً أحدها استجابة الدعاء ومعيّة الملائكة وتسديدها، فكيف إذا كان المؤمن يدعو لإمامه، فكيف ستكون الإثابة والقربى؟!

- من أهمّ ما رُوي في الدعاء لصاحب الزمان (عليه السلام) ويُعتبر كتاباً وافياً في المعرفة بعض خصال خليفة الله ومناقبه وحقوقه وجهاده في سبيل الله، وينبغي أن يكون محلَّاً للتأمل، ومحطةً للعبور إلى وادي الألطاف الإلهيّة والفيوضات المهدوية.

- روى الشيخُ الطوسيُّ في كتابه (مصباح المتهجّد) ضمن أعمال يوم الجُمعة بسندٍ صحيحٍ عن السَّفير الأول (عُثمان بن سعيد العَمريّ) هذا الدعاء الشريف، وهو من الأدعية الجليلة - ذات المضامين العالية - التي يُدعَى بها في زمن الغيبة، وهو مما حثَّ عليه العلماء والسّالكون إلى الله تبارك وتعالى.

(اللّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، اللّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي، اللّهُمَّ لا تُمِتْنِي مِيْتَةً جاهِلِيَّةً وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، اللّهُمَّ فَكَما هَدَيْتَنِي لِوِلايَةِ مَنْ فَرَضْتَ عَلَيَّ طاعَتَهُ مِنْ وِلايَةِ وُلاةِ أَمْرِكَ بَعْدَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ حَتّى والَيْتُ وُلاةَ أَمْرِكَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ وَعَلَيَّاً وَمُحَمَّداً وَجَعْفَراً وَمُوسى وَعَلَيَّاً وَمُحَمَّداً وَعَلَيَّاً وَالحَسَنَ وَالحُجَّةَ القائِمَ المَهْدِيَّ صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، اللّهُمَّ فَثَبِّتْنِي عَلى دِينِكَ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطاعَتِكَ، وَلَيِّنْ قَلْبِي لِوَلِيِّ أَمْرِكَ، وَعافِنِي مِمّا امْتَحَنْتَ بِهِ خَلْقَكَ، وَثَبِّتْنِي عَلى طاعَةِ وَلِيِّ أَمْرِكَ، الَّذِي سَتَرْتَهُ عَنْ خَلْقَكَ وَبِإِذْنِكَ غابَ عَنْ بَرِيَّتِكَ وَأَمْرَكَ يَنْتَظِرُ وَأَنْتَ العالِمُ غَيْرُ المُعَلَّمِ بِالوَقْتِ الَّذِي فِيهِ صَلاحُ أَمْرِ وَلِيِّكَ فِي الإذْنِ لَهُ بِإِظْهارِ أَمْرِهِ وَكَشْفِ سِتْرِهِ، فَصَبِّرْنِي عَلى ذلِكَ حَتّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ وَلا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ، وَلا كَشْفَ ما سَتَرْتَ وَلا البَحْثَ عَمّا كَتَمْتَ وَلا أُنازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ وَلا أَقُولَ: «لِمَ وَكَيْفَ وَما بالُ وَلِيِّ الاَمْرِ لا يَظْهَرُ وَقَدْ امْتَلاَتِ الاَرْضُ مِنَ الجَوْرِ؟!» وَأُفَوِّضَ أُمُورِي كُلَّها إِلَيْكَ.
اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُرِينِي وَلِيَّ أَمْرِكَ ظاهِراً نافِذَ الأَمْرِ مَعَ عِلْمِي بِأَنَّ لَكَ السُّلْطانَ وَالقُدْرَةَ وَالبُرْهانَ وَالحُجَّةَ وَالمَشِيَّةَ وَالحَوْلَ وَالقُوَّةَ فَافْعَلْ ذلِكَ بِي وَبِجَمِيعِ المُؤْمِنِينَ، حَتّى نَنْظُرَ إِلى وَلِيِّ أَمْرِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ ظاهِرَ المَقالَةِ، وَاضِحَ الدَّلالَةِ، هادِياً مِنَ الضَّلالَةِ، شافِيا مِنَ الجَهالَةِ، أَبْرِزْ يا رَبِّ مُشاهَدَتَهُ، وَثَبِّتْ قَواعِدَهُ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَقِرُّ عَيْنُهُ بِرُؤْيَتِهِ، وَأَقِمْنا بِخِدْمَتِهِ، وَتَوَفَّنا عَلى مِلَّتِهِ، وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَتِهِ، اللّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ ما خَلَقْتَ وَذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنْشَأْتَ وَصَوَّرْتَ وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِكَ الَّذِي لا يَضِيعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَوَصِيَّ رَسُولِكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ، اللّهُمَّ وَمُدَّ فِي عُمْرِهِ وَزِدْ فِي أَجَلِهِ وَأَعِنْهُ عَلى ما وَلَّيْتَهُ وَاسْتَرْعَيْتَهُ وَزِدْ فِي كَرامَتِكَ لَهُ، فَإِنَّهُ الهادِي المَهْدِيُّ وَالقائِمُ المُهْتَدِي وَالطَّاهِرُ التَّقِيُّ الزَّكِيُّ النَقِيُّ الرَّضِيُّ المَرْضِيُّ الصَّابِرُ الشَّكُورُ المُجْتَهِدُ، اللّهُمَّ وَلا تَسْلُبْنا اليَقِينَ لِطُولِ الأَمَدِ فِي غَيْبَتِهِ وَانْقِطاعِ خَبَرِهِ عَنّا، وَلا تُنْسِنا ذِكْرَهُ وَانْتِظارَهُ وَالاِيمانَ بِهِ وَقُوَّةَ اليَِقينِ فِي ظُهُورِهِ وَالدُّعاءَ لَهُ وَالصَّلاةَ عَلَيْهِ حَتّى لا يُقَنِّطَنا طُولُ غَيْبَتِهِ مِنْ قِيامِهِ، وَيَكُونَ يَقِينُنا فِي ذلِكَ كَيَقِينِنا فِي قِيامِ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَما جاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِكَ وَتَنْزِيلِكَ، فَقَوِّ قُلُوبَنا عَلى الإيمانِ بِهِ حَتّى تَسْلُكَ بِنا عَلى يَدَيْهِ مِنْهاجَ الهُدى وَالمَحَجَّةَ العُظْمى وَالطَّرِيقَةَ الوُسْطى، وَقَوِّنا عَلى طاعَتِهِ وَثَبِّتْنا عَلى مُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا فِي حِزْبِهِ وَأَعْوانِهِ وَأَنْصارِهِ وَالرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ وَلاتَسْلُبْنا ذلِكَ فِي حَياتِنا وَلا عِنْدَ وَفاتِنا حَتّى تَتَوَفَّانا وَنَحْنُ عَلى ذلِكَ، لا شاكِّينَ وَلا ناكِثِينَ وَلا مُرْتابِينَ وَلا مُكَذِّبِينَ.
اللهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ، وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِرِيهِ، وَاخْذُلْ خاذِلِيهِ، وَدَمْدِمْ عَلى مَنْ نَصَبَ لَهُ وَكَذَّبَ بِهِ وَأَظْهِرْ بِهِ الحَقَّ، وَأَمِتْ بِهِ الجَوْرَ، وَاسْتَنْقِذْ بِهِ عِبادَكَ المُؤْمِنِينَ مِنَ الذُّلِّ، وَأَنْعِشْ بِهِ البِلادَ، وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الكُفْرِ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَذَلِّلْ بِهِ الجَبَّارِينَ وَالكافِرِينَ وَأَبِرْ بِهِ المُنافِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَجَمِيعَ المُخالِفِينَ وَالمُلْحِدِينَ فِي مَشارِقِ الاَرْضِ وَمَغارِبِها وَبَرِّها وَبَحْرِها وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَتّى لا تَدَعَ مِنْهُمْ دَيّاراً، وَلا تُبْقِيَ لَهُمْ آثاراً، طَهِّرْ مِنْهُمْ بِلادَكَ وَاشْفِ مِنْهُمْ صُدُورَ عِبادِكَ، وَجَدِّدْ بِهِ ما امْتَحى مِنْ دِينِكَ، وَأَصْلِحْ بِهِ ما بُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ وَغُيِّرَ مِنْ سُنَّتِكَ حَتّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ غَضّا جَدِيداً صَحِيحاً لا عِوَجَ فِيهِ وَلا بِدْعَةَ مَعَهُ، حَتّى تُطْفِئ بِعَدْلِهِ نِيرانَ الكافِرِينَ، فَإِنَّهُ عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ وَارْتَضَيْتَهُ لِنَصْرِ دِينِكَ وَاصْطَفَيْتَهُ بِعِلْمِكَ وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَبَرَّأْتَهُ مِنَ العُيُوبِ وَأَطْلَعْتَهُ عَلى الغُيُوبِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ وَنَقَّيْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ، اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِهِ الأئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ وَعَلى شِيعَتِهِ المُنْتَجَبِينَ وَبَلِّغْهُمْ مِنْ آمالِهِمْ ما يَأْمَلُونَ، وَاجْعَلْ ذلِكَ مِنَّا خالِصا مِنْ كُلِّ شَكٍ وَشُبْهَةٍ وَرِياءٍ وَسُمْعَةٍ حَتّى لا نُرِيدَ بِهِ غَيْرُكَ وَلا نَطْلُبَ بِهِ إِلاّ وَجْهَكَ، اللّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا وَغَيْبَةَ إِمامِنا وَشِدَّةَ الزَّمانِ عَلَيْنا وَوُقُوعِ الفِتَنِ بِنا وَتَظاهُرَ الأعْداءِ عَلَيْنا وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا وَقِلَّةَ عَدَدِنا، اللّهُمَّ فَافْرُجْ ذلِكَ عَنّا بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ وَنَصْرٍ مِنْكَ تُعِزُّهُ وَإِمامِ عَدْلٍ تُظْهِرُهُ إِلهَ الحَقِّ آمِينَ، اللّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّكَ فِي إِظْهارِ عَدْلِكَ فِي عِبادِكَ وَقَتْلِ أَعْدائِكَ فِي بِلادِكَ، حَتّى لا تَدَعَ لِلْجَوْرِ يا رَبِّ دِعامَةً إِلاّ قَصَمْتَها، وَلا بَقِيَّةً إِلاّ أَفْنَيْتَها، وَلا قُوَّةً إِلاّ أَوْهَنْتَها، وَلا رُكْنا إِلاّ هَدَمْتَهُ، وَلا حَداً إِلاّ فَلَلْتَهُ، وَلا سِلاحاً إِلاّ أَكْلَلْتَهُ، وَلا رايَةً إِلاّ نَكَّسْتَها، وَلا شُجاعاً إِلاّ قَتَلْتَهُ، وَلا جَيْشاً إِلاّ خَذَلْتَهُ، وَارْمِهِمْ يا رَبِّ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ، وَاضْرِبْهُمْ بِسَيْفِكَ القاطِعِ، وَبَأْسِكَ الَّذِي لا تَرُدُّهُ عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ، وَعَذِّبْ أَعْدائكَ وَأَعْداءَ وَلِيِّكَ وَأَعْداءَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِيَدِ وَلِيِّكَ وَأَيْدِي عِبادِكَ المُؤْمِنِينَ، اللّهُمَّ اكْفِ وَلِيَّكَ وَحُجَّتَكَ فِي أَرْضِكَ هَوْلَ عَدُوِّهِ وَكَيْدَ مَنْ أَرادَهُ، وَامْكُرْ بِمَنْ مَكَرَ بِهِ، وَاجْعَلْ دائِرَةَ السَّوءِ عَلى مَنْ أَرادَ بِهِ سُوءاً، وَاقْطَعْ عَنْهُ مادَّتَهُمْ، وَأَرْعِبْ لَهُ قُلُوبَهُمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدامَهُمْ، وَخُذْهُمْ جَهْرَةً وَبَغْتَةً، وَشَدِّدْ عَلَيْهِمْ عَذابَكَ، وَأَخْزِهِمْ فِي عِبادِكَ، وَالعَنْهُمْ فِي بِلادِكَ، وَأسْكِنْهُمْ أَسْفَلَ نارِكَ، وَأَحِطْ بِهِمْ أَشَدَّ عَذابِكَ، وَأَصْلِهِمْ ناراً، وَاحْشُ قُبُورَ مَوْتاهُمْ ناراً، وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِكَ، فَإِنَّهُمْ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ وَأَضَلُّوا عِبادَكَ وَأَخْرَبُوا بِلادَكَ، اللّهُمَّ وَأَحْيِ بِوَلِيِّكَ القُرْآنَ، وَأَرِنا نُورَهُ سَرْمَداً لا لَيْلَ فِيهِ، وَأَحْيِ بِهِ القُلُوبَ المَيِّتَةَ وَاشْفِ بِهِ الصُّدُورَ الوَغِرَةَ، وَاجْمَعْ بِهِ الأَهْواءَ المُخْتَلِفَةَ عَلى الحَقِّ، وَأَقِمْ بِهِ الحُدُودَ المُعَطَّلَةَ وَالأحْكامَ المُهْمَلَةَ حَتّى لايَبْقى حَقُّ إِلاّ ظَهَرَ وَلا عَدْلٌ إِلاّ زَهَرَ، وَاجْعَلْنا يا رَبِّ مِنْ أَعْوانِهِ وَمُقَوِّيَةِ سُلْطانِهِ وَالمُؤْتَمِرِينَ لأمْرِهِ وَالرَّاِضينَ بِفِعْلِهِ وَالمُسَلِّمِينَ لأحْكامِهِ، وَمِمَّنْ لا حاجَةَ بِهِ إِلى التَّقِيَّةِ مِنْ خَلْقِكَ، وَأَنْتَ يا رَبِّ الَّذِي تَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذا دَعاكَ، وَتُنْجِي مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ، فَاكْشِفِ الضُّرَّ عَنْ وَلِيِّكَ وَاجْعَلْهُ خَلِيفَةً فِي أَرْضِكَ كَما ضَمِنْتَ لَهُ.
اللّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِنْ خُصَماءِ آل مُحَمَّدٍ عَلَيْهُمُ السَّلامُ، وَلا تَجْعَلْنِي مِنْ أعْداءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهُمُ السَّلامُ، وَلا تَجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الحَنْقِ وَالغَيْظِ عَلى آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهُمُ السَّلامُ، فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ذلِكَ فَأَعِذْنِي وَأَسْتَجِيرُ بِكَ فَأَجِرْنِي، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْنِي بِهِمْ فائِزاً عِنْدَكَ فِي الدُّنْيا وَالآخرةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ).

الخميس، 1 أكتوبر 2020

ميثاق العسر ومحاولته الفاشلة لإجابة التّحدي القرآني!

بسم الله الرحمن الرحيم
ميثاق العسر ومحاولته الفاشلة لإجابة التّحدي القرآني!

كتب ميثاق العسر هذا التعليق ضمن إحدى المنشورات، محاولاً إجابة التحدي القرآنيّ الذي تحدى به اللهُ المشركينَ أن يأتوا بسورة من مثله.

وكتب الشيخ أحمد أبو زيد العامليّ على صفحته الشخصيّة:

تحدّى القرآن الكريم العرب أن يأتوا بمثله.. لم يصلنا ما يشير إلى أنّ بلغاء العرب الذين كانوا يفتخرون بأشعارهم ومعلّقاتهم، والذين كانوا على اطّلاع بما يعرف بـ(سجع الكهّان) قد انساقوا لهذا التحدّي وقبلوه، وإنّما اعتبره البعض أقرب إلى السحر؛ لأنّ سرّ انجذاب الكثيرين له لم يكن في لغته وبلاغته فحسب، بل بمضامينه وبما به تحرّكت نفوسهم وتفاعلت مع الحقّ، حتّى إنّ بعض من آمن بالنبي (ص) كان يؤمن بعد سماعه آيةً أو آيتين، فليس السرّ في الجانب اللغوي فحسب..

إنّ إحجام العرب عمومًا عن الاستجابة لتحدّي (الإتيان بمثله) يُفهم على أساسٍ من إحدى أطروحتين، وقد قلنا (عمومًا) لأنّه لم يتمّ التعامل مع مقلّدة القرآن الكريم ـ كمسيلمة ـ تعاملًا جديًّا حتّى من غير المؤمنين بالقرآن، ولم يتمسّك أحدهم بمقولات مسيلمة ليصرخ ويقول: لقد أتينا بمثله:

الأطروحة الأولى: أن يكون العرب قد عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن الكريم وفق السياق الذي تحرّك به مسيلمة، أي أن يكونوا قد فهموا من (المثليّة) ما تحرّك مسيلمة لتحقيقه، مع إقرارهم بأنّ شخص ما أتى به مسيلمة لا يرقى إلى مستوى المنافسة. وبعبارة منطقيّة، يكونون قد فهموا كبرويًّا ما فهمه مسيلمة وأضرابه، لكنّه أنكروا عليه على مستوى الصغرى.
ويرجع الفشل في تحقيق الصغرى: أوّلًا: إلى فشل المتحدّى ـ بفتح الدال ـ في الحفاظ على جزالة الجانب اللغوي، وثانيًا: إلى أنّ عليه أن لا يقصر نظره في المنافسة على الجانب اللفظي والسبك اللغوي، بل عليه أن يتحرّك في جوّ المضامين العالية المحرّكة للنفوس، وهو أمرٌ لا يقوى على تحقيقه سوى بارئها.

الأطروحة الثانية: أن يكون العرب قد فهموا من المثليّة معنًى آخر مباينًا للمعنى السابق، وهو ما سنصطلح عليه بـ(المثليّة الندّيّة) أو (العرضيّة) ـ بتسكين الراء ـ في مقابل (المثليّة المحاكاتيّة) أو (الطوليّة) التي تمثّل المعنى الوارد في الاطروحة الأولى.
ولتوضيح المقصود من (المثليّة الندّيّة) أو (العرضيّة) سنضرب مثالًا من عالم البرمجيّات:
تطلق شركة مايكروسوفت برنامج (وورد) لمعالجة النصوص والنشر المكتبي (وورد ليس مخصّصًا لمعالجة الكتب)، وتتحدّى الشركات الأخرى أن يأتوا بمثله.
تستجيب العديد من شركات البرمجة للتحدّي، وتظهر على الساحة العديد من البرامج والتطبيقات (أوفيس سويت على سبيل المثال)، والمشترك بينها أنّك ستشعر عند إجرائها أنّك لا زلت في جوّ برنامج (وورد) نفسه؛ لأنّها لا تعدو كونها (محاكاةً) له، مع تغيير طفيف في تسميات الأوامر، لكنّها في النهاية خاضعة له وتقع في طوله، والأهمّ في الموضوع: لولا أنّ الوورد على هذا النحو لما جاءت هي على هذا النحو، وكلّ من يألف العمل في بيئة وورد سيألف العمل في بيئتها، مع قطع النظر الآن عن تقييمها، وهل ترقى إلى مستوى (وورد) أم لا.
وفي المقابل تستجيب شركة (أدوبي) للتحدّي وتُصدر برنامج (إنديزاين) الذي يقوم بمعالجة النصوص على أسس ومبادئ مختلفة تمامًا عن المبادئ التي يقوم عليها (وورد)؛ فالوورد يعمل على مبدأ (الملف) وعدم إمكانيّة التفكيك بين الصفحات التابعة لملفّ واحد، بينما يعتمد (إنديزاين) مبدأ التبعيض ويتيح إمكانيّة التحكّم الاختياري بالصفحات مفكّكةً، اعتمادًا منه على مبدأ (الصفحات الماستر) أو (القوالب المتعدّدة).
هذا مرورًا بطريقة معالجة الخطوط داخل البرنامج بعيدًا عن طريقة ظهور الخطّ في بيئة (الويندوز) أو (الماك)، وصولًا إلى خيارات التحكّم بالأسطر بطريقة غير موجودة أساسًا في (الوورد).
إنّ بإمكان مالك برنامج (أوفيس سويت) أن يقول لبيل غيتس: لقد استجبتُ للتحدّي وأتيتُ لك بـ(أوفيس سويت)، كما إنّ بإمكان تشارلز غيشكي مالك شركة أدوبي أن يقول الشيء نفسه، لكن لا مناص من الاعتراف بوجود فارقٍ كبيرٍ بين التحدّيين.

عندما نزل القرآن الكريم على العرب جاء بنظام لغوي كامل يشتمل على خصّيصتين في وقت واحد: الأولى أنّه عربيٌّ يفهمه العربي، والثانية: أنّ له طريقته الخاصّة في التعبير والأداء لم يألفها العرب ولم يتحدّثوا بها، حتّى إنّ النبي (ص) لم يتحدّث بها في حياته اليوميّة، فكان (ص) يحدّث الناس باللغة التي يعرفون، حتّى إذا نزل عليه الوحي انقلب إلى طريقة أخرى ونظام آخر في التعبير.

السؤال المركزي الآن: هل فهم العرب من التحدّي أنّهم مطالبون بالمثليّة بالمعنى الأوّل (المحاكاتيّة)؟ أم بالمعنى الثاني (الندّيّة)؟ وبعبارة أخرى: هل فهموا من التحدّي أنّ عليهم (تقليد) القرآن الكريم؟ أم فهموا أنّ عليهم أن يحدثوا نظامًا لغويًّا جديدًا، فيكون معنى التحدّي القرآني: لقد أتيتُ بنظام تعبيريٍّ جديد، وأنا أتحدّاكم أن تأتوا بنظام جديد، لا أنّه تحدّاهم أن يقلّدوه..
ولو سلّمنا أنّهم فهموا المعنى الأوّل: هل كان ذلك مقتصرًا على الجانب اللغوي البسيط؟ أم أنّه يتعدّاه إلى المركّب الذي يشتمل بمجموعه على (السحر) ـ مجازًا ـ الذي جعل أفئدة الناس تهوي إليه؟

وحول الصورة المرفقة: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.