الأربعاء، 27 فبراير 2019

ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم 
ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الرابعة

بقلم الشيخ: محمد جاسم.

(الطريق الرابع):
ما رواه أم بكر بنت المسور وجعفر عن عبيد الله بن أبي رافع عن المسور: (بعث حسن بن حسن [بن علي بن أبي طالب] إلى المسور يخطب بنتاً له، قال: توافيني بالعتمة، فلقيه فحمد الله المسور فقال: ما من سبب ولا نسب ولا صهر أحبّ إليّ من نسبكم وصهركم ولكنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «فاطمة شجنة مني، يبسطني ما بسطها ويقبضني ما قبضها، وإنّه ينقطع يوم القيامة الأنساب والأسباب إلا نسبي وسببي»، وتحتك ابنتها [أي إنّك متزوّج من ابنة فاطمة عليها السلام؛ إذ الحسن المثنى كان متزوّجاً من فاطمة بنت الحسين (عليه السلام)] ولو زوّجتك قبضها ذلك، فذهب [الحسن] عاذراً له) [مسند أحمد: ج٤ ص٣٣٢].

وهذا الطريق ـ بخلاف الطرق الثلاثة السابقة ـ لم يُرو في الصحيحين، لكن صحّحه الحاكم ووافقه الذهبي [المستدرك على الصحيحين: ج٣ ص١٥٥]، والمحقق في [مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر وحمزة الزين: ج١٤ ص٣٢١] و[فضائل الصحابة: ج٢ ص٧٦٥]. وأم بكر بنت المسور ليس لها التوثيق عند أهل السنة، لكنّ ذلك لا يضرّ بالسند بعد رواية شخص آخر معها للحديث عن عبيد الله، وهو جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).

وقد يعترض على صحّة السند بأنّ جعفر بن محمد (عليه السلام) لا يروي عن عبيد الله بن أبي رافع مباشرة كما هو واضح لدى ملاحظة طبقات الرواة، وعلى ذلك فهناك واسطة ساقطة بين الرجلين ولا نحرز كونها ثقة فيصبح الحديث مرسلاً لا يمكن الحكم بصحّته.
والجواب عن ذلك: إنّ الواسطة الساقطة في هذا الحديث هو الإمام الباقر (عليه السلام) كما يُعرف ذلك من مراجعة الحديث في [ تاريخ مدينة دمشق: ج٧٠ ص٢١]، وكما تساعد عليه ملاحظة الأسانيد الأخرى؛ فإنّ جعفر بن محمد (عليه السلام) روى عن عبيد الله بن أبي رافع بواسطة أبيه الباقر (عليه السلام) في بعض الموارد [لاحظ مثلاً: مسند أحمد ج٢ ص٤٣٠، المستدرك ج٢ ص٢٣٧، المعجم الكبير ج٨ ص٧٥]. وعليه فلا إشكال في صحّة السند وفق مباني أهل السنة.

وأمّا الدلالة فليس في هذا الحديث ذكر للمناسبة التي قال فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الحديث.. فهل قالها لأنّ علياً (عليه السلام) خطب ابنة أبي جهل [كما مرّ بنا في الطريق الأول] أو قالها لأنّ بني أبي جهل استأذنوه في أن يزوّجوا علياً (عليه السلام) من ابنتهم [كما في الطريق الثاني] أو لسبب آخر؟ ليس في هذا الحديث تفصيل لهذا الموضوع، فلا يمكن إدعاء أنّه مرتبط بهذه القضايا.

بل يمكننا أن نفهم ممّا ورد في هذا الحديث أنّه لم يصدر من النبي (صلى الله عليه وآله) بمناسبة زواج أمير المؤمنين (عليه السلام) من ابنة أبي جهل، والسبب في ذلك أنّا إذا افترضنا أنّ هذا هو السبب في صدور هذا الحديث فسيكون الحديث غير مفهوم وخالياً عن معنى صحيح.. وتوضيح ذلك:
لنفرض أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) صعد المنبر وقال: «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن يُنكحوا ابنتهم علي بن ابي طالب، فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن..»، فإذا سألناه: لماذا لا تأذن يا رسول الله؟ فسيقول لنا ـ بعد أن فرضنا أنّ هذه الصيغة الرابعة مرتبطة بهذه الحادثة ـ : «فاطمة شجنة مني، يبسطني ما بسطها ويقبضني ما قبضها»، فإذا سألنا: وما ربط هذا التعليل بقضية الزواج؟ فالجواب: إنّ ارتباطه واضح فالزواج محرّم على أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنّه سيقبض الزهراء (عليها السلام) ويغضبها وما يقبضها ويغضبها يقبضني ويغضبني، فإذا سألنا: وهل يحرم على المسلمين أيضاً أن يتزوجوا ابنة أبي جهل أو أي امرأة أخرى؟ فالجواب: وما علاقة المسلمين بذلك؟! فالزواج من ابنة أبي جهل محرّم على أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنّه يغضب الزهراء (عليها السلام) وأمّا زواج زيد وعمرو وخالد منها أو من غيرها فلا يغضب الزهراء (عليه السلام) فلا يكون محرماً طبعاً.
ثمّ يكمل النبي (صلى الله عليه وآله) تعليله ـ بحسب الفرض ـ ويقول: «وإنّه ينقطع يوم القيامة الأنساب والأسباب إلا نسبي وسببي»، وهنا نسأل من جديد: ما ربط هذا التعليل بقضية زواج أمير المؤمنين (عليه السلام) من ابنة أبي جهل؟ فيفترض أن يكون الجواب: إنّ الزواج من ابنة أبي جهل يحرم على أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ لأنّ سببي ونسبي هو الذي سوف لا ينقطع وأمّا سبب ونسب أبي جهل فينقطع يوم القيامة. وهنا نسأل: إنّ هذا التعليل لا يفرّق بين أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين غيره ولا بين حياة الزهراء (عليها السلام) وبين موتها، فهل يحرم على المسلمين أن يتزوجوا إلا من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنّ سببه ونسبه هو الباقي دون غيرهم؟! وهل يحرم على أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتزوّج من غير الزهراء (عليها السلام) بعد وفاتها لهذا السبب؟! ليس لهذا الكلام معنى مفهوم كما هو واضح، إذن هذه الفقرة لا تلتئم بقضية تحريم الزواج على أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولذا لا نجدها موجودة في الروايات التي ربطت حديث إغضاب الزهراء (عليه السلام) بموضوع الزواج المزبور. وهذا يثير فينا بعض الريب اتجاه ربط هذا الحديث مع قضية زواج ابنة أبي جهل ونحتمل أنّ ما روي عن كاتب أمير المؤمنين (عليه السلام) [وهو عبيد الله بن أبي رافع الوارد في سند هذا الطريق] أدقّ وأحرى بالقبول ممّا روي عن راوي بني أمية [الزهري] وقاضي بني الزبير [ابن أبي مليكة]، فليتأمّل.