الثلاثاء، 12 فبراير 2019

[6] مغالطات في شأن الإمامة «3»

بسم الله الرحمن الرحيم
مغالطات في شأن الإمامة [٣]


بقلم الشيخ: محمد جاسم.

لا بأس بالإشارة إلى مثال آخر يشير إلى الاختلال المنهجي وتحكيم المزاجات في البحث العلمي، وهو أنّ الكاتب ذكر رواية عن عيسى شلقان قد رويت عنه بصيغ ثلاثة وتضمّنت بعض صيغها النصّ على إمامة الكاظم (عليه السلام) [لاحظ التعليق الأول] وعدّ اختلاف صيغها مؤشراً على التطوّرات الصياغية المختلقة والإضافات المذهبية على هذه الرواية. ويرد عليه..
(أولاً): إنّ الكتاب الذي نقل الرواية مع الإضافات المذهبية ـ حسب تعبيره ـ هو كتاب (قرب الإسناد) للحميري المتقدم زماناً على الكشي والكليني، وهو ينقل الرواية بواسطة شخصين عن عيسى شلقان، في حين أنّ الكشي والكليني يرويان الحديث بواسطة أربعة أشخاص عن عيسى، فالسير الزمني للحديث على عكس ما افترضه المستشكل، ورواية قرب الإسناد أكثر قبولاً لقلة الوسائط وأوثقية مجموع السند.
(ثانياً): إنّ مجرد نقل الحديث من قبل أحد الأشخاص ناقصاً ومن قبل شخص آخر بتفاصيل أكثر لا يوجب تعارضاً بين النقلين، خصوصاً بملاحظة أنّ الغرض الأساسي من نقل هذا الحديث ليس هو ما يرتبط بالنصّ على إمامة الكاظم (ع)، بل ما في وسط الحديث من ذكر تقسيم الإيمان إلى مستقر ومستودع ومن ذكر سبب حال أبي الخطاب ـ كما يظهر بمراجعة موضعه في الكافي واختيار معرفة الرجال ـ، ممّا أدى إلى غضّ النظر عن الجوانب الأخرى من قبل الرواة.

لكن إن قبلنا ما ذكره المستشكل واعتبرنا اختلاف الصياغات مبرراً للتشكيك في الحديث، فلماذا لم يطرح الكاتب اختلاف الصياغات الموجود في حديث هشام بن سالم المتعلّق بالحيرة والذي كان يمثّل قطب الرحى في كلامه ومحلّا لاستشهاده واعتماده ـ عملياً ـ؟

وتوضيح الأمر: إنّ رواية هاشم بن سالم قد نقلت بطريقين..
أحدهما: ما عن أبي يحيى الواسطي عن هشام، وهي رواية مطولة نقلها الشيخ الكليني والكشي.
والثاني: ما عن ابن أبي عمير عن هشام، وهي رواية قصير نقلها الصفار في بصائر الدرجات، ووالد الصدوق في الإمامة والتبصرة.
ولقد اعتمد المستشكل على النقل الأول ولم يشر إلى النقل الثاني، مع وجود إضافات كثيرة واختلافات بين النقلين.

فهل نستطيع أن نقول أنّ هذه الاختلافات تكشف عن التطوّر الصياغي للحديث على مرور الزمن وحصول بعض الإضافات فيه [ويمكن أن تكون هذه الإضافات مذهبية؛ لأنّه كلمّا كانت الحيرة أكبر كان ظهور إمامة الإمام الكاظم (عليه السلام) وإبرازه آية ورجوع جميع الحائرين إليه أكثر تأثيراً]؟ مضافاً إلى أنّ الكاتب ذكر أنّه لا يمكن الاعتداد بما تتفرد به الروايات الضعيفة [في شأن حيرة زرارة] بل لا بد من الأخذ بما تتفق فيه الروايات، ولمّا كانت الصحة السندية بحسب موازين الفقهاء والرجاليين غير مؤثرة عنده ـ كما نبّه على ذلك مراراً ـ فكيف اعتمد على إضافات رواية الواسطي ولم يأخذ بما تتفق عليه الروايات؟ تجدر الإشارة إلى أنّ الكاتب نوى البحث عن روايات حيرة زرارة، وقد وردت في بعض روايات الحيرة ما لم ترد في بعضها الآخر، فلا بدّ من النظر في كيفية تعامله مع هذه الزوائد الموجودة.

إلى هنا أنهي الحديث عن النقطة الأولى المتعلقة بانعدام منهج الإثبات التاريخي، وأشير إلى أنّ الغرض الأساس هو الإشارة إلى المشكلات العامّة والسارية في كلمات المستشكل ومنشوراته مع ذكر أمثلة على ذلك، وليس الغرض مناقشة الأمثلة المذكورة من جميع الجهات ـ وإن وقعت بعض المناقشات الأخرى التي اقتضى ذكرها المقام أحياناً على سبيل الاستطراد ـ ، كما أنّه ليس الغرض هو ذكر جميع الموارد الموجودة لكلّ نقطة في كلامه، ويمكن للقارئ أن يعثر على أمثلة أخرى على ما أذكره.