الجمعة، 15 فبراير 2019

[14] نقض شبهات ميثاق العسر حول حديث (يؤذيني ما آذاها) – الحلقة الأولى


بسم الله الرحمن الرحيم
نقض شبهات ميثاق العسر حول حديث (يؤذيني ما آذاها) – الحلقة الأولى

بقلم الشيخ: إبراهيم جواد.

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين؛ أما بعد:-

نشرَ بعض مثيري الشبهات العقائديّة في مواقع التواصل الاجتماعيّ بعض التشكيكات حول الحديث المرويّ عن النبي (صلى الله عليه وآله) في شأن غضب فاطمة (عليها السلام)، وقد أطالَ هذراً، وأفاضَ في مغالطاته، مستعملاً بعض الحِيل التي تنطلي على من لا يعرف حقيقة أساليب التلاعب بالحقائق العلميّة، والعجيبُ في ذلك أنّه يكرر على مسامع متابعيه أنّه في مقام التحقيق العلميّ النزيه، وسرعان ما وجدناهُ يمارس الأساليب المُنكرة في الالتواء على الحقيقة ومحاولة طمسها والتشويش عليها، مستعيناً بالخلط والتلبيس، وحاصلُ كلامه أنّ هذا الحديث بصيغته السنيّة والشيعيّة لا تخلو من مشاكل تمنعُ عن استنباط أمرٍ عقائديٍّ منه كما يفعل علماء الإماميّة، ومن هذا المنطلق سوف نُقسِّمُ الجوابَ إلى محورين:
المحور الأوّل: ملاحظة الإشكالات المانعة من الاحتجاج به على أهل السنة وإلزامهم به.
المحور الثاني: ملاحظة الإشكالات على ثبوت هذا المضمون وفقاً للأدلة من كتب الشيعة.

وهذان المحوران كفيلان بجمع تمام ما طُرح للإشكال على الحديث، فإنَّ المرءَ في مقام التعامل مع الحجج العقليّة والروائيّة إما أنّه يأخذُ بها لإلزام الخصم والاحتجاج عليه، أو أنه يأخذ بها للاعتقاد القلبيّ كحجّة بينه وبين ربه، ولكلّ من المقامين خصوصيّات مُنفردة، وفي هذه الحلقة سوف نتعرَّضُ للمحور الأول لنقاش ما طُرح على أنه مانعٌ من الاحتجاج بهذا الحديث على أهل السنة وفقاً لقواعدهم، وسيظهرُ مدى الخلط والمغالطة التي حاول الكاتبُ تمريرها على القُرَّاء، وسوف نبيّن في مراحل لاحقة ثبوت التلازم بين غضب الله وغضب فاطمة (عليها السلام) وفقاً لقواعد وأصول الشيعة، حتى مع سقوط روايات السنة وتضعيف أسانيد هذا الخبر في بعض كتب الحديث الشيعيّة، فهذا الأمرُ غير منوطٍ بسندٍ هنا وهناك، وللشيعة في إثبات ذلك حججٌ قويّة وبراهين جليّة، وهذا ما سوف نبيّنه في الحلقات القادمة، أما في هذا المقام فسنحاول معالجة ما يتعلق بالمحور الأوّل عبر عدّة مراحل:

المرحلة الأولى: وحاصل إشكاله فيها أنّ حديث غضب فاطمة (عليها السلام) يتضمَّنُ مقطعين أساسيين، أولهما: ما جاء في خِطبة علي (عليه السلام) لبنت أبي جهل، وثانيهما: ما كان من النبيِّ من قولٍ عن أثرِ إغضاب فاطمة (عليها السلام)، وإنَّ الشيعة يمارسون التبعيض في احتجاجهم بالحديث على أهل السنة، حيث يقبلون بالشقِّ الثاني، ويرفضون الشقّ الأول؛ لأن فيه ما يوحي بالإساءة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).

والجواب: إنّ مقام الاحتجاج على الخصم مغايرٌ لمقام الاعتقاد للنفس، فنحنُ عندما نريد أن نعتقد بحديثٍ ونبني عليه بنياناً عقائدياً علينا أنّ لا نقتطع من سياقه ما نريد ونترك الباقي، والوجه في ذلك أنّ الملتزم بحجية الأمر الفلاني يتعهّدُ بقبوله بأجزائه من دون تبعيض، وعليه فهو لا يقتطع منه ما يُخلّ به على طريقة (فَويْلٌ للمُصَلِّينَ)، وهذا الأمر لا ننازع فيه في مقامنا هذا، ولكن ما غالطَ فيه مثيرُ الشبهة أنّه لم يفرِّق بين مقام الاعتقاد ومقام الاحتجاج، متجاهلاً بذلك لأصل عظيمٍ من أصول المناظرة، فإنّ المقام الأول (مقام الاعتقاد) كما ذكرنا، أما الثاني (مقام الاحتجاج) فإنّه في مقام إلزام الخصم لا يجبُ علينا الإيمان بصدور الحديث أصلاً، فكيف بصدورٍ جزءٍ منه؟ والوجه في ذلك أنّ قوام المناظرة هو احتجاجُ كلِّ طرفٍ على الآخر بما يكون مقبولاً عنده، وإلا لما حصل الإفحام والإلزام، ولا يلزمُ في المُحتجِّ أن يكون مؤمناً بالدليل الذي يُلزِمُ به خصمهَ، وعلى هذا جرت سيرة العقلاء في مناظراتهم، فالملحدون والنّصارى وغيرهم يُحاولون إفحام المسلمين بالاستدلال ببعض آيات القرآن الكريم، فلو استدلّ مسيحيٌّ على مسلمٍ بآيةٍ من سورة الأنعام، فهل من المنطقيِّ أن نُجيبَه: أنت تُبعِّضُ في الحُجيَّة، ويجب عليك أن تؤمن بكافّة سور القرآن؟! هذا لا معنى له، إذ لو كان مؤمناً بالقرآن فلن يسعى للإشكال على الإسلام ببعض آياته!
وهذا يجري أيضاً في حقِّ الوهابية الذين يطرحون الإشكالات علينا مستدلين بأحاديثنا المرويّة في كتبنا، فهل يرى عاقلٌ أن نقول لهم: صدِّقوا بأحاديثنا حرفاً حرفاً قبل أن تحتجوا بها!
وبناءً على ما تقدّم نقول: إنَّ علماء الشيعة لو لم يعتقدوا بصدور الحديث عن النبيِّ من جهة أسانيد أهل السنة فلا يضرُّهم ذلك شيئاً؛ لأنهم لم يذكروا تلك الأحاديث إلا لإلزام من يعتقد بصحّتها، ومن هنا يُقال للسنيِّ: هل تؤمن بهذا الحديث الذي رواه المسور بن مخرمة في الصحيحين؟ فسيقول: نعم؛ لأنّه مرويٌّ في الصحيحين، وأحاديثهما حُجَّةٌ. وبهذا يكون قد التزم بصحّة هذا الحديث، فنحن لا نُلزمهم إلا بأدلةٍ تكون صحيحة وفقاً لمبانيهم!
وهنا لا يخلو الأمر من طرافةٍ عجيبةٍ نبيّن بها تناقضات المشكك، فإنّ هذا الأصل الجاري في المناظرات قد جرى عليه المشكِّكُ نفسه (ميثاق العسر) عندما أثارَ شبهة حيرة الأصحاب بعد وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) مستدلاً بحديث هشام ومؤمن الطاق عندما دخلوا على عبد الله الأفطح وامتحنوه، فإنّ ميثاق صرَّحَ أنّه لا يقبل الحديث بصيغته لإشكالٍ فيه من جهة تقییمه لـ«التماسك الداخلي» للحديث كما عبّر آنذاك، وهو رغم عدم قبوله للحديث بتمامه احتجّ به علينا وبنى عليه شبهةً طويلة عريضةً، والتناقض الأكثرُ وضوحًا الذي صدر من هذا المشكِّك أنّ الحديث فيه شقَّان: أولهما ما يُوهِمُ حيرة الأصحاب في شأن إمامة الكاظم، وثانيهما ما يشيرُ إلى إيمان الأصحاب بإمامة الكاظم بعد ظهور معجزةٍ له وإخباره بما في نفوسهم، ومع ذلك جاءَ المشكِّكُ واحتجَّ بالشقِّ الأول وترك الشقَّ الثاني بل بقي يبثّ الشكوك في إمامة الكاظم رغم أن الشق الثاني يثبتها، فنراه هنا مارسَ ما يدَّعيه على علماء الإمامية، وهكذا يتلاعبُ بمناهج الاحتجاج ويخيطُها وفقاً لما تشتهي نفسه، فتارةً يرى جواز الاحتجاج بما لا يعتقد بصحته ويبني عليه إشكالات ضخمة، وتارة يشترط أن يؤمن المحتجُّ بكلّ ما يحتجّ به في المناظرة، وهذا من التلاعب والتدليس، ولا تنطلي هذه الحيل إلا على الضعيف، فهذه الألاعيب يمكن أن تخدعَ الغافل، ولكنها لا تخدعُ من لو اقتدحَ بالنّبع لأورى ناراً!

المرحلة الثانية: وحاصل إشكاله فيها أنَّ الحديث عن غضب فاطمة (عليها السلام) من رواية الصِّبيان، وهذه علَّةٌ قادِحةٌ في صحّته، وبيان وجه الإشكال: أنّ رواية الحديث المفيد لهذا المعنى قد جاء من عدّة طرق عند أهل السنة:
الأول: من طريق المسور بن مخرمة، وقد كان عمره تسع سنوات على أحسن تقديرٍ عند وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، فهذا يعني أنه كان صبيَّاً غير بالغٍ.
الثاني: من طريق عبد الله بن الزبير، وعبد الله من صغار الصحابة، فقد وُلد بالمدينة في السنة الأولى أو الثانية من الهجرة، فيكون عمره عند وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) عشر سنوات.
الثالث: من طريق الحسين بن زيد الشهيد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، وهذا الطريق وإن لم يكن فيه صبيّ، إلا أنه مقدوحٌ في طريقه بعلل في إسناده.

والجواب: إنَّ كون الحديث مرويّاً عن صغار السنِّ لا يقدحُ في صحِّة احتجاج علماء الشيعة به على أهل السنة؛ لأنّ علماء أهل السنة يقبلون بالحديث دون تنظُّرٍ في صحّته من هذه الجهة.
وهذا الإشكال نابعٌ من خلطه بين مقام التحقيق الواقعيّ وبين مقام الإلزام، فإنّ التحقيق في رواية الصبيِّ – ولسنا بصدده - ربما يُفضي إلى عدم اعتبارها، أما إلزام المُعتَقِدِ بها فلا إشكال فيه، ولا يخفى أنّ علماء السُّنَّةِ يعتقدون بصحّة خبر المسور بن مخرمة وعبد الله بن الزبير وإن كانا من صغار الصحابة، وذلك أنّهم متّفقون على صحَّة وحجيَّة رواية الصحابيِّ الصغير بشرط أن يكون قد أدّى الحديث بعد بلوغه، وهنا نذكر جملة من أقوال علماء أهل السنة:

1. قال الغزاليّ في كتابه (المستصفى): (أما إذا كان طفلاً مميزاً عند التحمل، بالغاً عند الرواية فإنه يقبل؛ لأنه لا خلل في تحمُّله ولا في أدائه، ويدلُّ على قبول سماعه إجماعُ الصحابة على قبول خبر ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وغيرهم من أحداث الصحابة من غير فرقٍ بين ما تحمَّلُوه بعد البلوغ أو قبله، وعلى ذلك درج السلف والخلف من إحضار الصبيان مجالس الرواية ومن قبول شهادتهم فيما تحملوه في الصغر)(1).

2. قال الفخر الرازيّ في كتابه (المحصول): (المسألة الثانية: إذا كان صبياً عند التحمُّل، بالغاً عند الرواية، قُبِلَتْ روايته لوجوه أربعة:
الأول: إجماع الصحابة، فإنهم قبلوا رواية ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير رضي الله عنهم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ أو بعده.
الثاني: إجماع الكل على إحضار الصبيان مجالس الرواية.
الثالث: أن إقدامه على الرواية عند الكبر يدل ظاهراً على ضبطه للحديث الذي سمعه حال الصِّغَر.
الرابع: أجمعنا على أنه تُقبل منه الشهادة التي تحمّلها حال الصغر، فكذا الروايَةُ.
والجامِعُ: أنّه حال الأداء مسلمٌ عاقلٌ بالغٌ يحتَرِزُ عن الكذب)(2).

3. قال ابن قدامة المقدسيّ الحنبليّ: (أما ما سمعه صغيراً، ورواه بعد البلوغ فهو مقبول؛ لأنه لا خلل في سماعه ولا أدائه، ولذلك اتفق السلف على قبول أخبار أصاغر الصحابة كابن عباس وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين والنعمان بن بشير ونظرائهم، وعلى ذلك درج السلف والخلف في إحضارهم الصبيان مجالس السماع، وقبولهم لشهادتهم فيما سمعوه قبل البلوغ) (3).

4. قال أبو الحسن الآمديّ في (الإحكام): (وهذا بخلاف ما إذا تحمل الرواية قبل البلوغ، وكان ضابطاً لها، وأدّاها بعد البلوغ وظهور رشده في دينه، فإنها تكون مقبولة؛ لأنه لا خلل في تحمله ولا في أدائه، ويدل على قبول روايته الإجماع والمعقول.
أما الإجماع فمن وجهين:
الأول: أن الصحابة أجمعت على قبول رواية ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وغيرهم من أحداث الصحابة مطلقاً من غير فرق بين ما تحملوه في حالة الصغر وبعد البلوغ.
الثاني: إجماع السلف والخلف على إحضار الصبيان مجالس الحديث وقبول روايتهم لما تحملوه في حالة الصبا بعد البلوغ.
وأما المعقول: فهو أن التحرز في أمر الشهادة أكثر منه في الرواية، ولهذا اختلف في قبول شهادة العبد، والأكثر على ردها، ولم يختلف في قبول رواية العبد، واعتبر العدد في الشهادة بالإجماع واختلف في اعتباره في الرواية. وقد أجمعنا على أن ما تحمله الصبي من الشهادة قبل البلوغ، إذا شهد به بعد البلوغ قبلت شهادته، فالرواية أولى بالقبول) (4).

5. قال الشوكاني في إرشاده: (أما لو تحمَّلها صبياً وأداها مكلفاً فقد أجمع السلف على قبولها كما في رواية ابن عباس والحسنين ومن كان مماثلاً لهم، كمحمود بن الربيع فإنه روى حديثاً أنه «صلى الله عليه وسلم» مَجَّ في فيه مجةً وهو ابن خمس سنين، واعتمد العلماء روايته) (5).

6. قال الحافظ العراقي في شرح ألفيّته: (وكذلك تُقبل رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده، ومنع من ذلك قومٌ هنا: أي في مسألة الصبيِّ وهو خطأ مردودٌ عليهم، وقولي: «كالسبطين» أي كرواية الحسن والحسين وغيرهما ممن تحمّل في حال صباه كعبد الله بن الزبير والنعمان بن بشير وعبد الله بن عباس والسائب بن يزيد والمسور بن مخرمة ونحوهم، وقَبِلَ النَّاسُ روايتهم من غير فرقٍ بين ما تحمّلوه قبل البلوغ وبعده) (6).
ومثله الحافظ السيوطيّ والحافظ السخاوي في شرحيهما على الألفيّة، فراجع(7).

ولأهل السنة تطبيقاتٌ عمليّة في ذلك حتى في حقِّ غير الصحابة، فإنّهم قد قبلوا رواية المصنف لعبد الرزاق الصنعاني والسنن لأبي داود السجستاني من طريق الصغار، وفي ذلك يقول الحافظ السخاوي: (ومات عبدُ الرزاق وللدبري ست سنين أو سبع، ثم روى عنه عامّة كتبه، ونقلها الناسُ عنه، وكذا سمع القاضي أبو عمر الهاشمي السننَ لأبي داود من اللؤلؤي وله خمسُ سنين، واعتدَّ الناسُ بسماعه وحملوه عنه) (8).

وبناءً على ما تقدَّم: فهذه الرواية مقبولةٌ من جهة وقوعها في «الصحيحين»، ولكون أهل السنة يقبلون رواية الصحابيّ الصغير إذا روى ما حمله في صغره وقتَ بلوغه، ولا شكّ في أنّ رواية المسور بن مخرمة قد وقعت بعد بلوغه؛ لأنّه بحسب الرواية قد لقي الإمام زين العابدين (عليه السلام) بعد معركة كربلاء، وهو قد وُلِدَ في السنة الثانية للهجرة، فيكون عمره وقت الأداء قريباً من 60 سنة، أما الأمرُ بالنسبة إلى عبد الله بن الزبير فهو كذلك؛ لأن الراوي عنه هو ابن أبي مليكة المولود في زمن خلافة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أي أنّه وُلِد في وقتٍ كان فيه عبد الله بن الزبير بالغاً، فيلزمُ من ذلك أنّه روى عن ابن الزبير بعد بلوغه.
والنتيجة: الحديث مرويٌّ عن الصحابيين بعد بلوغهما، فيكون مقبولاً على شرط علمائهم.

وهنا نقول للمشكك: إذا كان الكلام عن صحّة الاحتجاج على الحديث وفقاً لمبانيك الشريفة وآرائك الجليلة فلا كلام لنا معك، فخذ آراءك العتيدة وتحقيقاتك الرشيدة وانثرها أينما شئت، وغرِّد بها حيثما أحببت، فما تُشكل به هنا ليس حجَّة على أهل السنة وهم لا يقبلون به، ولا يلزمُ علماء الشيعة في احتجاجهم على أهل السنة؛ لأن المناط في الاحتجاج هو «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»، وقد التزموا بصحّة روايات الصحيحين مضافاً إلى صحَّة رواية الصحابي الصغير إذا أدّى الرواية بعد بلوغه، فما تقولهُ منافٍ لقواعد أهل السنة، فما بالُك تحاول نقض احتجاج الشيعة على أهل السنة بما لا يقبله أهل السنة أنفسهم، وهم أجدرُ بأن يردُّوا عليك، ويقولوا لك: تلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها!
وكم هو عجيبٌ هذا الإصرار.. أن يتنطَّعَ مُدَّعٍ للتشيع لإبطال حجج الشيعة بما لا يقوله أهل السنة أنفسهم، وهذا المقدار من الحماس المفرط للوفاء للأسياد يذكّرني بحسين المؤيّد الذي وظّفه الوهابية للدفاع عن باطلهم، فأراد أن يُدافع عن عمر في قضيّة رزيّة الخميس، فكان مصداقاً لمقولة: (جاء ليُكحِّلها فأعماها)، حيث أتى بما لا يقبله الوهابية أنفسهم، إذ قال إنّ حديث رزيّة الخميس في صحيحي البخاري ومسلم حديثٌ مكذوبٌ(9)، وهذا كلام لا يقبله علماء المخالفين قاطبةً، فلا أدري ما سرُّ هذا الحماس الشديد والولَه الكبير بإبطال حجج الشيعة على أهل السنة بكلامٍ يستنكره علماء أهل السنة جميعاً!

يأتي الكلام عن المرحلة الثالثة وما بعدها، والحمد لله رب العالمين.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستصفى من علم الأصول، ج2، ص227، تحقيق: حمزة بن زهير حافظ، الناشر: شركة المدينة المنورة للطباعة.
(2) المحصول في علم أصول الفقه، ج4، ص395، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، سنة النشر: 1418 هـ / 1997م.
(3) روضة الناظر وجنّة المناظر، ج1، ص332-333، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، الناشر: مؤسسة الريان – بيروت، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1419 هـ/1998م.
(4) الإحكام في أصول الأحكام، ج2، ص89-90، تصحيح: عبد الرزاق عفيفي، الناشر: دار الصميعي للنشر والتوزيع-الرياض، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1424هـ/2003م.
(5) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ج1، ص257-258، تحقيق: أبي سامي بن العربي الأثري، الناشر: دار الفضيلة – الرياض، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1421هـ/2000م.
(6) شرح التبصرة والتذكرة، ج1، ص380، تحقيق: ماهر ياسين الفحل – عبد اللطيف الهميم، الناشر: دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1423 هـ/2002م.
(7) شرح ألفية العراقي في علوم الحديث للحافظ السيوطيّ، ص218، تحقيق: شادي بن محمد سالم النعمان، الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1429هـ/2008م.
وانظر: فتح المغيث بشرح ألفيّة الحديث للحافظ السخاوي، ج2، ص307-309، تحقيق: عبد الكريم الخضير –محمد بن عبد الله آل فهيد، الناشر: مكتبة المنهاج – الرياض، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1426هـ.
(8) فتح المغيث بشرح ألفيّة الحديث، ج2، ص308، تحقيق: عبد الكريم الخضير –محمد بن عبد الله آل فهيد، الناشر: مكتبة المنهاج – الرياض، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1426هـ.
(9) إتحاف السائل، ص207، الناشر: دار ومكتبة التراث الأدبي-بيروت، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 2012.