الثلاثاء، 26 مارس 2019

فضائل وخصال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الأحاديث المعتبرة (2)


بسم الله الرحمن الرحيم
فضائل وخصال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الأحاديث المعتبرة


تعجزُ الأقلام حقّاً عن إحصاء فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهو إمام الموحدين، وسيّد المؤمنين، وخير البرية أجمعين، الذي أقام أعواد منابر الإسلام بسيفه، وضرب بعمله الصالح أروع أمثلة الزهد والتقوى، وهو في العِلم سابقُ العالمين، وفي العبادة قد سادَ العابدين، وفي التجافي عن دار الغرور قد أتعبَ من بعده إذ طلّقها إلى الأبد حينَ رآها كالحيّة ليِّنٌ مسها قاتلٌ سمُّها، .. وفي المقام نذكرُ جملةً من الأخبار التي تشيرُ إلى بعض خصاله الرفيعة، فهذه الأخبارُ تبيّنُ:
1. عظمة جهاده بين يديّ رسول الله (صلى الله عليه وآله).
2. تأييد الله له في الحرب بجبرائيل وميكائيل عن يمينه ويساره.
3. أنّه كان منصوراً دائماً بمددِ الله وعونه وتأييده.
4. كان سابقاً مرتفعَ المقام، لا يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، لا في علم ولا عملٍ.
5. أنّه استشهد وتركَ تركةً تقدّر بـ700 درهم فقط.

وهذا الخبر معتبرٌ بلا ريب، قد أقرّ بذلك أهل التحقيق، فهو مما صحّت طرقه عند أهل السنة والشيعة الإماميّة معاً، فضلاً عن تعدّد طرقه الموجب للاطمئنان بصدوره.

أولاً: روى ثقة الإسلام الكليني بسندٍ صحيحٍ:
(محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد؛
وعليُّ بن محمد، عن سهل بن زياد جميعاً؛
عن ابن محبوبٍ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «لما قُبِضَ أمير المؤمنين عليه السلام، قام الحسنُ بن علي عليه السلام في مسجد الكوفة، فحمدَ الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيِّ (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: أيها الناس، إنّه قد قُبِضَ في هذه الليلة رجلٌ ما سبقهُ الأولون، ولا يُدركه الآخرون، إنْ كان لصاحب راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عن يمينه جبرئيل، وعن يساره ميكائيل، لا ينثني حتى يفتح الله له، واللهِ ما ترك بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادماً لأهله، والله لقد قُبِضَ في الليلة التي فيها قُبِضَ وصي موسى يوشع بن نون، والليلة التي عُرج فيها بعيسى بن مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن»(1).

ثانياً: روى أحمدُ بن حنبل في مسنده:
(حدثنا وكيع، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن هبيرة: خطبنا الحسن بن علي رضي الله عنه، فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله يبعثه بالراية: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يُفتَح له).
قال المحقق شعيب الأرناؤوط: (حَسَنٌ)(2).

ثالثاً: روى أحمد بن حنبل في مسنده بإسنادٍ آخر:
(حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، قال: خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي رضي الله عنهما، فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس ما سبقه الأولون بعلم، ولا أدركه الآخرون، إن كان رسول الله ليبعثه ويعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، وما ترك من صفراء ولا بيضاء، إلا سبع مائة درهم من عطائه كان يرصدها لخادم لأهله).
قال المحقق شعيب الأرناؤوط: (حَسَنٌ)(3).
وعلّق على هذا الخبر المحققُ أحمد شاكر بقوله: (إسناده صحيح)(4).
وعلّقَ على هذا الخبر المحقق وصي الله بن محمد عباس بقوله: (إسناده صحيح)(5).

رابعاً: روى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنّفه:
(حدثنا عبد الله بن نمير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، قال: سمعت الحسن بن علي قام خطيباً فخطب الناس، فقال: يا أيها الناس، لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، ولقد كان رسول الله يبعثه المبعث فيعطيه الراية فما يرجع حتى يفتح الله عليه، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمئة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يشتري بها خادماً)(6).
وقد روى الحافظ ابن حبان هذا الخبر من طريق أبي بكر بن أبي شيبة بنفس هذا الإسناد في صحيحه، وهو لا يروي فيه إلا ما كان صحيحاً عنده، وقد أشار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني إلى صحّته أيضاً (7).
كما أشار المحقق وصي الله بن محمد عباس إلى صحّة الإسناد، فقال عند تعليقه على الخبر من رواية أحمد في الفضائل: (وأخرجه ابن حبان كما في الموارد من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق. وإسناده صحيح)(8).
وروى ابن أبي شيبة أيضاً: (حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، قال: خطبنا الحسن بن علي بعد وفاة علي، فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله يعطيه الراية فلا ينصرف حتى يفتح الله عليه).
وعلّق المحقق محمد عوامة على هذا الإسناد بقوله: (إسناد المصنف حسن)(9).



ــــــــــــــــــ
(1) الكافي الشريف، ج2، ص486-487، كتاب الحُجَّة، باب مولد أمير المؤمنين عليه السلام، رقم الحديث 8.
(2) مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص246، رقم الحديث 1719.
(3) مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص247، رقم الحديث 1720.
(4)  مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص344، رقم الحديث 1720.
(5) فضائل الصحابة لابن حنبل، ج1، ص674، رقم الحديث 922.
(6) المصنف، ج17، ص119-120، رقم الحديث 32768.
(7) التعليقات الحِسان على صحيح ابن حبان، ج10، ص74، رقم الحديث 6897.
(8) فضائل الصحابة لابن حنبل، ج1، ص674، بالهامش.
(9) المصنف، ج17، ص124، رقم الحديث 32773.

الاثنين، 18 مارس 2019

فضائل وخصال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الأحاديث المعتبرة (1)


بسم الله الرحمن الرحيم
فضائل وخصال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الأحاديث المعتبرة

روى الشيخ المفيد في الأمالي بسند صحيح:

حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام:
(يا علي أنت مني وأنا منك، وليُّك وليي ووليي وليُّ الله، وعدوُّك عدوِّي وعدوِّي عدوُّ الله.
يا علي أنا حربٌ لمن حاربك، وسلمٌ لمن سالمك.
يا علي لك كنزٌ في الجنة وأنت ذو قرنيها.
يا علي أنت قسيم الجنة والنار، لا يدخل الجنة إلا من عرفك وعرفته، ولا يدخل النار إلا من أنكرك وأنكرته.
يا علي أنت والأئمة من ولدك على الأعراف يوم القيامة تعرف المجرمين بسيماهم، والمؤمنين بعلاماتهم.
يا علي لولاك لم يُعرف المؤمنون بعدي).

📚 أمالي المفيد ص٢١٣، المجلس ٢٤، رقم الحديث ٤.


الأحد، 17 مارس 2019

جنبلاط الحوزة العلمية: يحوطون التقليد ما درّت معايشهم، فإذا فُتنوا منعوا التقليد!


جنبلاط الحوزة العلمية: يحوطون التقليد ما درّت معايشهم، فإذا فُتنوا منعوا التقليد!

ضمن قفزةٍ بهلوانيّة أخرى، خرج ميثاق العسر داعياً النَّاسَ إلى عدم تقليد الفقهاء، فكتب بتاريخ (6/3/2019) ما نصّه: (لا تضعوا قلادة التّقليد الباطلة في أعناقكم فتكونوا أسارى بيد من يجهل حاضره ومستقبله بل وماضيه النّافع أيضاً؛ فكلّ ما تسمعونه من أدلّة وجوب التّقليد بل والإفتاء ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالتّقليد والإفتاء بصيغتهما الحوزويّة المعاصرة، وإنّما هي مساع حوزويّة تأتي في سياق الصّراع من أجل إثبات الذّات، وليس لها علاقة بدين الله الواضح الجليّ السّاطع والمنير، فتأمّلوا كثيراً، والله من وراء القصد).

إذن: بالنسبة إليه، التقليد الآن هو عبارة عن مساعٍ حوزوية في صراعٍ لإثبات الذات، وليس نافذةً لإبراء ذمّة المكلف في إتيانه التكاليف الشرعيّة!

وبغضّ النظر عن التهريج البعيد عن النقاش العلميّ في هذا الكلام، فإنَّه لا يخفى على القُرّاء الكرام أنّك كُنت بوقاً داعياً لمرجعيّة أستاذك الحيدريّ وتقليده، وهنا نعرضُ للإخوة بعض ما يتّضحُ به أنّ آراء هذا الرجل تدور مدار مصالحه ومنافعه، فهو يتقلّبُ بين الأقوال وفقّ مصلحة جرِّ النار إلى قُرصهِ، ونقول:

أولاً: لقد اعترفتَ بأنّك زمان دعوتك لتقليد أستاذك كمرجعٍ شموليٍّ أعلم كنت لا تعتقدُ باجتهاده فضلاً عن أعلميّته، وكنت تعرفُ أنَّ مزاج أستاذك لا يُلائم مذاق الفقاهة، فهو غارقٌ إلى أبعد حدٍّ في دروس الفلسفة والعرفان دون الفقه والأصول، ومع ذلك خدعتَ النَّاسَ وكذبتَ عليهم وروَّجتَ لشخصٍ ما شمَّ رائحةَ الفقه قط بشهادة السيد الفقيه محمود الهاشمي الشاهروي (رحمه الله)، وللقارئ أن يطّلع على بعض اعترافاتك بالكذب وستر الحقائق عن الناس بهدف جمع الأتباع المقلّدين الذين سينتفعُ أستاذك بهم ماديّاً في مرحلة لاحقة.

1. كتب ميثاق العسر على صفحته الشخصية في فيسبوك بتاريخ (23/6/2015): (فأنا يا أصدقائي: تلميذه (الوحيد) ـ وأضع الوحيد بين قوسين لتأكيدها ـ الذي وقف معه في (التأسيس) لمشروع مرجعيّته، ودفعه للتصدّي لمقام الإفتاء؛ وهو أمرٌ كلّفني كثير من المخاطر التي لا أجد الفرصة مناسبة لذكرها، ولكن ـ وأيّ لكن هذه ـ لم يكن وقوفي معه ودفعي إياه لذلك قائماً على أساس اعتقادي باعلميّته الفقهيّة أو الشموليّة (كشخص)؛ فهو يعرف جيّداً: إنّي لست مؤمناً بذلك، بل كان يتجنّب الحديث معي حول اجتهاده واعلميّته أصلاً..إلخ).
2. كتب ميثاق العسر على صفحته بتاريخ (5/6/2015): (سألني السيد الخامنئي (دامت بركاته) يوماً بلغة عربية (فصيحة) وأنا أستقبله وأحتفي به في غرفة مؤسسة الإمام الجواد (ع) التي خصّصناها لعرض تراث السيد الحيدري المرئي والمسموع:
هل له كتبٌ فقهيّة؟
سرعان ما أجبته: نعم سيدنا الجليل؛ لديه كتاب (لا ضرر ولا ضرار) تقريراً لأبحاث السيد الصدر...!!!!
لم يكن بوسعي أن أقدّم غير هذا الجواب لسؤال عرفت في داخلي سرّه وما ورائياته، وتفطّنت لدقّته وعمق مرتكزاته؛ فالحضور الفقهي ولو على المستوى اليسير كان أرقاً يلاحقني وأنا أدفع باتجاه مشروع المرجعيّة الشموليّة وأبشّر به، وهي المعضلة التي احرجتني كثيراً مع بعض الفضلاء من أصدقائي، وحاولت جاهداً ردمها من خلال الضغط على صاحبي نحو الاهتمام بالدرس الفقهيّ، لكن صاحبي أبى واستعصم ولسان حاله يقول: إن ابن عربي أكرم مثواي، إنه لا يفلح الفقهاء والمحدّثون)، انتهى النقل بنصّه.

وهذا النصّان يكشفان عن مسألة خطيرةٍ جدّاً، وهي أنّ صاحبنا العسر كان يدعو إلى تقليدِ رجلٍ لا حظَّ له من الدراية الكافية بعلمَيْ الفقه والأصول، وقد كان في داخله غير مؤمنٍ بفقاهته وأعلميّته، ومع ذلك يدعو النّاس إليه، فكان مصداقاً للكذّاب المخادع الذي يتكلّم وفقاً لمنطق المصلحة والمنفعة الخاصّة.
ويا للمُفارقة:
أ. في زمان إيمانه بالتقليد دعاهم إلى تقليد فاقد الفقاهة والأهلية للمرجعيّة والتقليد.
ب. في زمان إنقلابه ينهاهم عن الرجوع لأحدٍ متجاهلاً الفقهاء المجتهدين العدول!

ومفارقة أخرى: إنّه بعد أن طُرِدَ من قِبل أستاذه عن مشروع المرجعيّة الشموليّة، أصبح يجاهرُ بفقدان أستاذه لأهليّة التقليد والتصدّي للمرجعيّة، وصرَّح مُعرِّضاً بأستاذه أمام النّاس أن الذي ينبغي تقليده هو الذي ثبت اجتهاده التقليديّ عبر الآليات الحوزوية المتعارفة، وهذا الكلام لم يقله عبثاً، وإنما في سياق تحطيم صورة أستاذه الذي طرده مدحوراً بالخيبة، وفي ذلك السياق، وللمزيد من التحطيم، منح الاجتهاد التقليديّ والآليّات الحوزويّة المتعارفة الشرعيّةَ الكاملة والحجيّة التامّة، لماذا؟ لأنه في مقام تحطيم مرجعيّة أستاذه وتسقيطها، ولكل مقام مقال!
كتب ميثاق العسر على صفحته بتاريخ (24/6/2015): (إن مفتاح الاجتهاد الشمولي ومرجعيّته هو: التسلّح بالاجتهاد (التقليديّ)؛ فإذا أراد أحدٌ أن يدّع لنفسه (مرجعيّة شموليّة) فعليه أن يثبت أولاً: اجتهاده التقليديّ من خلال آليّات الحوزة المتعارفة، وحينذاك يجوز للمكلّف تقليده إذا ثبتت له اعلميّته)، انتهى.
والسؤال: أين كانت هذه النباهة والذكاء والحذاقة حينما كُنتَ تخدعُ الناس بالترويج لمرجعية رجلٍ لا حظّ له من الفقاهة والاجتهاد التقليديّ؟!

ومفارقة أخرى: أنّ من لوازم كلامه في تشويه التقليد الطّعن في سماحة السيّد الفقيه محمود الهاشمي الشاهروديّ (رحمة الله عليه)، وهذا ليس بشيء في نظر صاحبنا، فإنّه كـ(الطّاعن نفسَه ليقُتلَ رِدْفَهُ)، فماذا لو سألَ أحدٌ ميثاقَ العسر وقال له: أنت ادّعيت أنّ التقليد بصيغته المعاصرة يأتي في سياق صراعات حوزويّة لإثبات الذّات، فهلَّا حدَّثتنا عن جهود أستاذك المرحوم في طرح مرجعيّته وتقليده بـ(صياغته الحوزويّة المعاصرة) ضمن الصراعات التي لا تمتّ للدين بصلة؟! ولأيّ شيء كان أستاذك يصارع ما دام أن هذا صراع لا ربط له بالدين؟! ماذا سيكون جوابه حينها؟!
نعم؛ مثله لا وفاء عنده لأستاذه، ومن الممكن أن يطلق كلاماً يشمل أستاذه بنحوٍ أعظم من ذلك، المهم أن يوجّه مطاعنه إلى الحوزة العلميّة ولو كلّفه ذلك إسقاط سمعة أستاذه الذي بذل شطراً من عمره ليكون له ولأمثاله مربياً ومعلّماً، ولكن الزراعة في الأرض السبخة لا تُثمر، كما لا يُثمر كرمُ الكرام في الأراذل واللئام.
فهذا المنطق يستلزمُ الطّعن في أستاذه الذي له الفضل عليه من رأسه إلى أخمص قدمه، ونحنُ نربأ بفقيهٍ كالسيد الشاهروديّ (رحمه الله) وغيره من الفقهاء الأعلام أن يكونوا كما وصفَ هذا الجنبلاطيّ المتقلّب، فإنّه يكذب ويفتري لأنّ التقليد لم يعد (يدرّ عليه معايشه)، وهو يؤيّد التقليد متى اجتمع الأتباعُ لمرجعيّة تدرّ عليه شيئاً لدنياه، فإذا مُحِّصُوا بالبلاء قلَّ الديَّانون.. وهذا هو ديدنُ عبيد الدنيا.

والخلاصة: إنّ أمثال هذا المتلوّن وأشباهه لا يمكن ائتمانهم على الموقف العلميّ المُنصف تجاه فكرة التقليد، وإنّما هو مجرّد إنسان متقلّب يتكلّم بحسب الأرضية التي يقف عليها، والمصلحة التي ينتفعُ منها، فإنه..
1. إذا كان عبداً موظّفاً في مكتب أستاذه الحيدريّ فينبغي أن يقوم الناس بالتقليد، حتى وإنْ كان الحيدري فاقداً لأدنى مقوّمات الأهلية.
2. وإذا ثار ضدّ أستاذه وأراد تحجيمه جعلَ (الاجتهاد التقليدي) معياراً، واعتبر آليات الحوزة العلمية المتعارفة مناطاً في الإثبات، وقَبِلَ بها حُجَّـةً لجواز التقليد.
3. وإذا خسر دنياه في التجارة بالدين، ذهب إلى نفي التقليد رأساً؛ لأن المضاربة التجاريّة في بازار الترويج للمرجعية الوهميّة المنتفخة إعلامياً لم تكن ناجحةً، وكانت صفقةً خاسرةً، وخسرت صفقة عبدٍ لم يهذّب نفسه حتى أمسى تاجراً بدينه.

كذبة وجوب التقليد بصيغته المُعاصرة!!

اعترافه بقصور أستاذه الحيدري فقهاً وأصولاً في زمن ترويجه لمرجعيّته، ومع ذلك كان يدعو إلى (تقليده)

واعترافٌ آخر..


قوله بوجوب الاجتهاد التقليديّ وحجيّة الآليات الحوزوية المتعارفة في إثباته...ولك أن ترى القفزة المصلحيّة بين (حجية الآليات الحوزوية المتعارفة) إلى (بطلان الصيغة المعاصرة للتقليد)!!

الاثنين، 11 مارس 2019

ميثاق العسر يعترف: حديث «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني» هو حديث قطعيّ الصدور عن النبي (ص)


بسم الله الرحمن الرحيم
ميثاق العسر يعترف: حديث «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني» هو حديث قطعيّ الصدور عن النبي (ص)

ضمن نشاطاته «التنويريّة الفذّة»، وفي سياق مواعظه «التحقيقيّة الجليلة»، خرج علينا ميثاق العسر بخطابٍ عظيمٍ وجَّههُ لخطباء المنبر الحُسيني ليُحذِّرهم من اعتماد المرويّات الضعيفة والباطلة، وفي خاتمة حديثه نصحهم بأن لا يأتوا بتلك المكذوبات؛ لأنّ في ذلك إيذاءً لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) في حقِّها: (من آذاها فقد آذاني)، فلا ينبغي للخطباء الكرام أن يقعوا فيما يؤذي الزهراء (عليها السلام)، وإليك نصّ كلامه:

كتب ميثاق العسر بتاريخ (24/6/2016) مقالةً بعنوان: (علاقة فاطمة بليلة القدر)، وقال في خاتمتها ما نصّه: (وإن السيّد فاطمة الزهراء "ع" لا تحتاج إلى كرامة من الله عزّ وجل كي نتحدّث عن كونها هي ليلة القدر؛ فهي بنت محمد، وزوج علي، وأم الحسنين، وهي من قال عنها خاتم الأنبياء: فاطمة بضعة منّي، من آذاها آذاني؛ فلماذا نؤذيها بنسبة أشياء غير جزميّة الصدور إليها؟! وهل ترضى فاطمة الزهراء أن نبني مجتمعاً شيعيّاً لا يحترم عقلانيّته ولا منطقيّة متبنياته؟!).
والمنشور موثّقٌ عبر ثلاث آليات:
1. الصورة المرفقة من صفحته بالفيسبوك، وقناته بالتلغرام.
2. تصوير مقاطع مرئيّة سيتم عرضها إنْ تم التلاعب في المنشور بالفيسبوك والتلغرام.
3. تمّ نشر المقال بنفس التاريخ في موقع (المثقّف)، وتم توثيقه هناك بنفس الطريقة، وهذا هو الرابط: http://www.almothaqaf.com/index.php/aqlam2016/907126.html

ولعلّك تسأل: كيف عرفت أنّه حكم على الرواية أنّها معتبرة مقطوع بصدورها؟!
فنقول: نحن لا نشكُّ في أنّ سماحة المحقق الخبير والمدقِّق النحرير قد ذكر هذه الرواية بعد أن أحرزَ صحّة صدورها عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وذلك لجملة من القرائن:
أولاً: إنّه كان في مقام وعظ الخطباء بالاحتراز عن الروايات الضعيفة والموضوعة، فلا ريب في كونه مُحترزاً يعملُ بمواعظه العميقة الدقيقة، وأنّه لا ينصح الخطباء بتجنّب الروايات التي لم تثبت ومن ثمَّ يقوم بإيراد رواية ضعيفة لم تثبت عن النبيّ (صلى الله عليه وآله).
وإنه قد قال في مقاله بعد أن أورد الحديث: (فلماذا نؤذيها بنسبة أشياء غير جزميّة الصدور إليها؟!)، وبالتالي فهو لا يقبل أن يُنسب للنبيِّ ما لا يُقطع بصدوره عنه، وبما أنّه نسب الحديث للنبي (صلى الله عليه وآله) فلا شكّ أنه مقطوعٌ الصدور!
ثانياً: إنّ المحقق الفذّ ميثاق العسر حينما تحدَّى الشيعةَ بإثبات الحديث قد طالبهم بإثبات سندٍ صحيحٍ لحديث غضب الزهراء (عليها السلام)، فلا يُعقل أن يضع شروطاً لثبوت الحديث خلاف ما يتبنّاه، فهذا من التعنّت واللعب الطفوليّ، وهو خلاف النزاهة العلمية التي يَسْبَحُ فيها صباحاً ومساءً!! وهذا يكشفُ عن كون المناط لديه في الثبوت هو الاعتبار والصحّة وما دام أنّه قد نسبَ الرواية للنبي بصورةٍ قطعيّةٍ دون ترديد، فلا نستريبُ في كون سندها صحيحاً.. ونحنُ من هنا نشكرهُ على جهوده التحقيقية العميقة التي لم يسبقه إليها الأولون والآخرون!!


آن للتهريج أن ينتهي، وليتفرّج الجميع على صبيانيّة الجنبلاطيّ السّفيه!

يأتي هذا البيان زيادةً في إيضاح مكابرته الحمقاء وإصراره على المشاغبة الطفوليّة فيما يخصّ الأسانيد الثلاثة للصدوق والتي اعترف أنّها معتبرة عند علماء الإمامية ومحققيهم، وبعد أن أُحرِجَ باعترافه قام بتحريف منشوراته كما بيّنا سابقاً، ثم صار يتقافز في مشهد سَفهيِّ طفوليّ بتناول بعض الروايات للتهريج عبر طرح إشكالات سخيفة للقدح في اعتبار الأسانيد الثلاثة، وسوف نتعرض لها لاحقاً، ولكن أحببنا تقديم هذه الإضافة مع ما سبق من اعترافاته السابقة، ليتضح للجميع مدى التلوّن والتناقض واللعب على عقول النّاس!

والآن: لكم أن تستمتعوا برؤية تقلبّاته الجنبلاطيّة، فمثل هذا الصنف فاقد لأدنى أنواع الحياء أو الخجل، وسوف يقفزُ ويهرِّجُ، فهو ممن يظنّ أن المعرفة والدِّين لا يكتسيا ثوب الاعتبار إلا إن أُمضيا بقلمه الارتزاقيّ الرخيص، مع العلم أنّه كان يذمّ أستاذه على التعامل بهذا النهج، حيث وصفه بأنّه ممن يرى أنّ المعرفة فقط وفقط لا بُدَّ أن تمرُّ عبره، حيثُ قال بتاريخ (15/5/2015) ذامّاً أستاذه الحيدري: (لستُ من دعاة الخرافة ولا الأساطير ولا القصص ولا الرؤيا ولا الغلو ولا وساطة الفيض... وغير ذلك ممن تطول القائمة بذكره، لكن إغلاق هذا الباب على الغير وفتحه للنفس فقط يعني أنّ المعرفة والدين لا بد أن يمرا عن طريقي فقط وفقط).

وها هو الآن يسلبُ عن العلماء والمحققين الأهليّةَ للتحقيق والمعرفة ويكيل لهم سيل الاتهامات والافتراءات، وأنّه هو النزيه والحياديّ، بينما غيره لا يتكلّم إلا لحفظ مصالحه الشخصية أو لمنافع مذهبيّة أو لأنهم متعصبون مذهبيّون ..إلخ، أما هو فإنّه الحق المحض، العليم العيلم الأعلم، الخبير المحقق والفطحل المدقق الذي ينبغي أن يميل الجميع خلفه، فإذا قال إنّ السيّد السيستاني هو الأعلم فيجب أن يقبلوا منه، وإن قال لهم إنّ السيد السيستاني فتاواه تحبس مطر السماء وتمنع بركة الأرض فيجب أن يصدّقوا أيضاً، وإن قال لهم هلّموا إلى مرجعية أستاذي الشموليّة فيجب أن يقلّدوه، ويوم خسارته أسهمه في استثمار التمرجع وقوله لهم إنّ تقليد الفقهاء باطل فيجب أن يذعنوا أيضاً.. وهكذا ينبغي أن تُلغى العقول وتدور مع جنبلاطيّة العسر حيثما دار! لماذا؟ لأن الدين والمعرفة لا ينبغي أن يمرّا إلا عبره فقط وفقط!!

وهنا نراهُ يمارس نفس الأسلوب، فهو متى أراد أن يُقرِّع الخطباء ويزجرهم وظَّفَ هذا الحديث ويكون حينها ثابتاً صحيحاً، ويا سبحان الله، حينما أراد أن يلعب لعبة تصفية الحساب مع بعض الأطراف الحوزويّة فإنّه مستعد للعب بالحديث والعقائد والفقه وبدين النّاس وكل شيء، المهم إنجاز ثارات ما وراء الكواليس، والخاسرُ الأكبر من لا يعرف أسرار هذه الحرب القذرة.. وأنّها ليست لتحقيق ولا تنوير، وإنما هي دنيا أعرضت عنهم فحاولوا أن يجتذبوها مرة أخرى بالانتقام من الحوزة العلميّة ومغازلة شيوخ الوهّابية في الخليج، وإلى الله عاقبة الأمور.

يشاءُ اللهُ أن يُقيم الحُجَّة عليهم بأفواههم،.. ولا حافظةَ لكذوبٍ ومتناقض.

.
.
.
.
ملاحظة:تظهر الصور بوضوح بعد تكبيرها بالضغط عليها.



اعترافه بصحّة حديث "من آذاها فقد آذاني"..




المنشور في قناته بالتلغرام


يذمّ أستاذه على تقلّباته وأنه يتعامل كما لو أنّ المعرفة والدين لا بد أن يمرّا عبره، واليوم يمارس نفس السياسة..
وهذا هو ديدن المشككين في تناقضاتهم



السبت، 9 مارس 2019

ميثاق العسر واعتبار أسانيد حديث «إنّ الله يغضبُ لغضب فاطمة» - الحلقة الثالثة


بسم الله الرحمن الرحيم
ميثاق العسر واعتبار أسانيد حديث «إنّ الله يغضبُ لغضب فاطمة» - الحلقة الثالثة

بقلم الشيخ: إبراهيم جواد.

بيّنا في المقالتين السابقتين أنّ ميثاق العسر قد اعترفَ بأنّ الأسانيد الثلاثة التي روى بها الصدوق حديث «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة» فيها المُعتبر عند محققي وعلماء الإمامية، وبيّنا تحريفه لعبارته في منشوراته السابقة حيث كان يحاول الفرار من ذلك الإقرار المُرّ الذي أحرجه وبيّن تلاعبه وتقافزه بين الأقوال وفقاً لكلّ مرحلةٍ ومتطلباتها.

وفي قفزةٍ جديدةٍ للتشكيك في اعتبار الحديث، جاء بحديثٍ رُوي بهذه الأسانيد الثلاثة حول مرضٍ أصاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومنعه من القدرة على القيام بالصلاة والجماع، وحصول شفائه من المرض بطعامٍ - وهو الهريس - بعثهُ الله إليه فتعافى ببركته، وصار يُهرِّجُ أمام القُرّاء مستعملاً بعض الألفاظ التهريجيّة القبيحة حيث صار يحاول السخرية من شفاء النبيِّ بالهريس بوصفه بـ(فياجرا سماويّة) في ظلّ انحطاطٍ أخلاقيٍّ لم يسبق له مثيل، يكشفُ عن مدى الإفلاس والافتقار للدليل العلميّ، والالتجاء إلى الأساليب الوهابيّة في التهريج.
وقد انحطّ إلى هذا المستوى بهذا الفعل لإثارة الهمج الرعاع بهذه التشبيهات ظانّاً أنه يُوقِعُ الحرج في نفوسنا لنرفعَ اليد عن الاحتجاج بأسانيد الصّدوق الثلاثة، وأنّ ذلك التهريج يغنيه عن إيراد الدليل العلميّ المانع من قبول الرواية، وبذلك اكتفى بهذا المستوى المنحطّ، ولم يحترم عقول الناس، ولم يُبرز للقراء والمتابعين دليلاً قرآنياً أو عقلياً يُبطل مضمون تلك الرواية.
ومع ذلك نُعلِّق للإشارة إلى بعض النكات المتعلّقة بالتحقيق في علم الحديث؛ لتظهر ضحالة أطفال الفيسبوك وسطحيّتهم، فنقول:

أوّلاً: إنّ الإتيان بحديثٍ ما وممارسة التهريج عبر توظيفه بطريقة تلائم أساليب المخلدين إلى الأرض لن يُغطّي حقيقة الاعتراف مسبقاً بأنّ هذه الأسانيد الثلاثة معتبرة عند محققي وعلماء الإمامية، وهذا شاخصٌ أساسي في الإلزام ينبغي أن يكون حاضراً نصب الأعين.
ثانياً:  لو سلّمنا أنّ حديث الهريس أو غيره مما رُوي بالأسانيد الثلاثة فيه شذوذٌ أو نكارة، فإنّ أهل التحقيق في علم الحديث قاطبةً لا يُسقِطُون قيمة السند الذي رُويت عبره تلك الرواية الشاذة أو المنكرة؛ لأن بناءهم في ذلك على حجيّة المرويّ بالسند المعتبر ما لم تصب الرواية علّةٌ من العلل القادحة وفقاً للاصطلاح لديهم.
وعلى سبيل المثال: لو فرضنا أنَّ الكليني روى بسنده الصحيح: [علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم] خمسمائة رواية، وكانت كلها خالية من العلل إلا سبع روايات مثلاً ابتليت بالشذوذ أو النكارة أو إعراض المشهور عنها أو..إلخ، فهل يُسْقِطُ أهل التحقيق في الحديث بقيّة الروايات الواردة بهذا السند؟!
وبعبارة أخرى: هل شذوذ سبع روايات مثلاً يُسقط (493) رواية أخرى معها؟!
الجواب: هذا لا يقول به ولا يعملُ به فقيهٌ ولا مُحدِّثٌ أبداً، لا من السنة ولا من الشيعة، وهذه كتبهم المبسوطة في بيان قواعد علم المصطلح تشهدُ بذلك.
فيظهرُ لنا: أنّ مثل هذه العقليّة الحشويّة في النظر للأسانيد والتعامل معها تعتبر مناسبةً ولائقةً بمن انشغل بالتطبيل لبعض الدكاكين الشموليّة في قُم، ولم يدرس علوم الحديث بشكلٍ متقنٍ، وإلا فإنّ المحققين – سنة وشيعة – لا يلتزمون بمثل هذه اللوازم؛ لاتفاقهم على أنّ الثقة قد يغرب أو يشذ أو يخالف الأقران الأثبات وغير ذلك من العِلل مما هو مُفصَّلٌ في كتبهم، وفي المقام نذكرُ بعض كلماتهم المشيرة إلى هذا المعنى:
1. قال الشهيد الثاني في (البداية في علم الدراية): (واعلم أنّ من جوَّزَ العمل بخبر الواحد في الجملة قطعَ بالعمل بالخبر الصحيح حيثُ لا يكون شاذاً ولا مُعارضاً) (1).
2. قال الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي في (وصول الأخيار إلى أصول الأخبار): (إذا جاء الحديث بخلاف الدليل القاطع من الكتاب أو السُّنة أو الإجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه وجب طرحه من أيّ الأنواع كان؛ لأنّ هذه الأدلّة تفيدُ العِلْمَ والخبَرُ لا يفيده، وعلى هذا وقع الإجماع واستفاض النقل) (2).
3. قال ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات): (المستحيل لو صدر عن الثقات رُدَّ ونُسِبَ إليهم الخطأ، ألا ترى أنه لو اجتمع خلق من الثقات فأخبروا أن الجمل قد دخل في سم الخياط لما نفعنا ثقتهم ولا أثرت في خبرهم لأنهم أخبروا بمستحيل..) (3).
وهذا يشيرُ إلى أنّ الإتيان بالشاذ والمُنكَر لا يرفع عن الثقات مسمّاهم، ولا ينفي صحة العمل بأخبارهم، وإنما يكفي ردّ الحديث المنكر أو الباطل إليهم مع بقاء مسمّى الوثاقة.
4. قال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني: (قد تتوفر الأدلّة على البطلان مع أنّ الراوي الذي يصرح الناقد بإعلال الخبر به لم يُتّهم بتعمّد الكذب، بل قد يكون صدوقاً فاضلاً، ولكن يرى الناقدُ أنّه غلط أو أُدخِلَ عليه الحديث) (4).
وهذا يشيرُ إلى أنّ اعتبار السند يقتضي العمل بالخبر دائماً إلا في حالة ورود الشذوذ أو النكارة فإنها تشكل مانعاً عن العمل به؛ لظهور التعارض بينها وبين حُجَّةٍ أخرى هي أقوى منه، ما يؤدّي إلى رفع اليد عنها، أما في سائر الموارد الخالية عن الشذوذ والنكارة فإنّ الأصل هو الاعتبار والعمل به.
وفي المقام: حديث «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة» لا يُعاني من أيِّ شذوذ أو تعارض، فكيف إن تكاثرت طرقه، وتوافرت شواهده، وتعاضدت قرائنه؟! فلا يبقى بعد ذلك إلّا المكابرة ممن أعمى الله قلبه وسلبه بصيرته..
أما بالنسبة إلى حديث الهريس: فلن نفصِّلَ القول فيه حالياً، ولكن ينبغي أن نذكّر القراء بأنّه لم يذكر علَّةً علميَّة قادحةً فيه، وإنما حاول مقاربة الأمر باستعمال بعض الألفاظ والتشبيهات القبيحة التي تكشف عن سوء تربيّةٍ وقلّة أخلاق، وليس هذا بالغريب ممن نبت لحمه من سُحت الدكاكين الشموليّة، ومع ذلك ننبه إلى أمورٍ في خصوص هذا الحديث:
الأول: إنّ العلماء والمحققين متفقون على أنّ المعصوم غير مصونٍ عن الإصابة بكافة أنواع الأمراض إلا ما كان باعثاً على التنفير منه، وذلك لأن في ابتلائه بالمرض المنفِّر للناس منه نقضٌ للغرض من البعثة، ومن هنا فإنّ إصابة النبي (صلى الله عليه وآله) بأيّ مرضٍ كان لا ينافيه أي دليل قُرآني أو عقلي، بل هذا ينسجم مع الجري وفق قوانين طبيعة جسم الإنسان، مضافاً إلى أنّ الرواية ناظرة إلى مرحلة اجتاز فيها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) سنّ الخمسين عاماً وهو عمرٌ يُتوقّع فيه أن يُصاب الإنسان بجملة من الأمراض، فلا غرابة في البَيْنِ.
الثاني: إنّ الشفاء من ذلك الطعام يُحتمل فيه أن يكون من جهةٍ إعجازية، وهو الأقوى ظهوراً، ويحتمل أن يكون لخصوصيّة يحملها ذلك الطعام، وكلا الأمرين لا ينفيهما قرآن أو عقل، بل في القرآن الكريم شواهد متعددة على ذلك، حيث تشيرُ بعض الآيات القرآنيّة إلى خصوصيّات صحيَّة في بعض الأغذية كاليقطين والعسل مثلاً، أو تارة أخرى تشيرُ إلى نحوٍ إعجازيّ كما في قوله تعالى للنبي أيوب (عليه السلام): (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)، وبعد وضوح هذا، فأين الإشكال في تلك الرواية؟!
وبذلك: ينبغي أن يظهرَ أنّ تغنِّي هؤلاء بالمنهج القرآني والعقليّ في نقد التراث ليس إلا ذرَّاً للرماد في العيون، وإلا فينبغي وفقاً لمنهجهم أن يُسخر من الآيات الكريمة التي تشير إلى إصابة النبي أيوب (عليه السلام) بالمرض وشفائه بالاغتسال بعين الماء التي فجّرها الله تحت قدميه، إلا أن تكون خصوصيّةٌ في المرض ولها مدخليّة في السخرية والاستهزاء، فحينها نطالب جهابذة التنوير بالدليل العلميِّ بدلاً من التهريج البذيء والسّفالة الوقِحَة..
الثالث: إنّ التعبير بأنّ ذلك الشفاء المعجز قد منح النبيّ (صلى الله عليه وآله) قوّة أربعين رجلاً؛ فهذا لجهة الإعجاز، ولا يخفى أنّ النصّ على العدد أربعين ليس على وجه الحقيقة؛ لوضوح أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) بقي في تلك الفترة بالحالة الطبيعيّة للإنسان الذي يعيش في عقده الخامس أو السادس، وهذا يشير إلى أنّ إطلاق العدد استعمالٌ مجازيٌّ دالٌّ على الكثرة أو شدّة الأمروكماله، فإنّ العرب تستعملُ ألفاظ العقود للدلالة على الكثرة أو المبالغة أو القوّة أو الشدّة أو الكمال وما يجري مجرى ذلك، والشواهدُ القرآنية كثيرة على هذا الأمر، وأظنه من الوضوح بمكان بحيث لا يحتاج إلى الإطالة أكثر فأكثر، إلا أن يكون قادة التنوير يعانون من جهلٍ مفرطٍ بكلام العرب وأساليبه.. فحينها نؤجِّلُ الكلام فيه إلى مرحلةٍ أخرى لاحقة لئلا نخرج عن نطاق البحث في الحديث حول الزهراء (عليها السلام)، والله العاصم من الزيغ والهوى.

والحاصل: إنّ اعتبار الأسانيد الثلاثة -التي اعترف ميثاق العسر بأنّها معتبرة عند علماء الإمامية - لا يخدش فيه ورود عدد يسير من الروايات الشاذّة عبرها، ولو سلّمنا بوقوع الشذوذ في بعضها، فهذا لا يشكّل مانعاً حقيقياً من الجري على اعتبار بقيّة الأحاديث..وهذا كله يُفضي إلى بقاء اعترافه بأنّ الحديث معتبرٌ عند علماء الإمامية وفقاً لمبانيهم وتحقيقهم..

يُتبع..وسيرى الجميعُ التلوّن المفاجئ في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رسائل في دراية الحديث، ج1، ص126: كتاب (البداية في علم الدراية)، جمع وإعداد: أبو الفضل حافظيان البابلي، الناشر: مؤسسة دار الحديث العلميّة الثقافية – قم المقدسة، الطبعة: الرابعة، سنة النشر: 1432هـ/1390هـ.ش.
(2) رسائل في دراية الحديث، ج1، ص479-480: كتاب (وصول الأخيار إلى أصول الأخبار)، جمع وإعداد: أبو الفضل حافظيان البابلي، الناشر: مؤسسة دار الحديث العلميّة الثقافية – قم المقدسة، الطبعة: الرابعة، سنة النشر: 1432هـ/1390هـ.ش.
(3) الموضوعات، ج1، ص150-151، عند تعليق المصنف على الحديث رقم 231، تحقيق: نور الدين بن شكري بن علي بويا جيلار، الناشر: دار أضواء السلف – الرياض، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1418هـ/1997م.
(4) ذكر ذلك في مقدمته على كتاب (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني)، ص7، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، سنة النشر: 1416هـ/1995م.




للتكبير: اضغط على الصورة
إعادة التذكير باعترافه بقيمة الأسانيد الثلاثة عند علماء ومحققي الإمامية



الخميس، 7 مارس 2019

جنبلاط الحوزة العلميّة: فنونُ التملُّق نحو المرجعية العليا في النجف الأشرف


جنبلاط الحوزة العلميّة: فنونُ التملُّق نحو المرجعية العليا في النجف الأشرف

من المعلوم أنّه بعد إفلاس ميثاق العسر في قم المقدسة وطرد أستاذه له؛ ليستفرد بكامل امتيازات المرجعيّة الشموليّة، بدأ في بداية مشواره الجديد بإطلاق بعض عبارات التملّق الناعمة تجاه مرجعيّة السيد عليّ السيستاني (حفظه الله) حتى غالى في ذلك بنحوٍ جعل التشكيك فيها على وزانِ التشكيك في سائر مقولات مذهب التشيع على طريقة: إما أن تقتنعَ بهذا الاستدلال على مرجعيّته وأعلميّته أو ينبغي الشكُّ في التشيُّع!

ولا بأس بالتذكير بنصِّ كلامه والذي يشيرُ إلى أنّ مرجعية السيد السيستاني فرضت حضورها وتأثيرها عبر شهادات أهل الخبرة، حيث قال يوماً ما: [حينما يكون السيستاني مرجعاً للطائفة، ويشهد له ما يقرب من 90% من مجتهدي ووجوه وعلماء الطائفة بالاجتهاد والأعلميّة، فإذا كان جميعُهم متآمرين وغير متدينين فما هو الضمان إن هؤلاء الـ90% لا يقولوا شططاً وقشمريات في بقية عرضهم للمقولات الشيعيّة الأخرى؟! وإنّ المذهب الحقيقي ما يعرضه ويقدّمه الـ10% الباقية فقط. هذه البيانات لا أعتقد أنها موفقة شيخي العزيز، فعموم الناس تثق بعلمائها في مدنها ومحافظاتها، وإذا أردنا أن نشكك في دين وعلم هؤلاء جميعاً فعلينا أن نذهب لنختار مذهباً وديناً آخر].
وفي تعليق آخر بعد ذكر هذه النسبة المئوية من المجتهدين المذعنين لأعلميّة السيد السيستاني، قال مُعقّباً: [إذا كان جميع هؤلاء قد شهدوا بناءً على تخطيط اللوبيات الحوزوية كما يحبّذ بعضهم تسميتها، وإن شهاداتهم جميعاً باطلة وناتجة من مطامع وأغراض دنويّة شخصيّة... أقول إذا كان الأمر كذلك، فلنغسل أيدينا من المذهب ونقرأ على حوزاتنا السلام، ونفتح الباب أمام جميع الدكاكين التي فُتحت وستُفتح بعد ذلك].

ووفقاً لكلامه هنا: فإنّه يُفترض أنّ المرجعيّة قد ثبتت أركانها بالشكل الطبيعي عبر السبل العلميّة حيث حازت على ما يقارب إجماع الطائفة الشيعيّة على أعلميّته دون الحاجة إلى تدخُّل أي جهاتٍ خارجيّة أو «لوبيّات حوزويّة» في مثل هذا الأمر، كذا كانت اللغة الناعمة، وذلك حينما كان يترقّب شيئاً من النجف، وهذا الترقب كان أيضاً في فترة هجومه على أستاذه حيث كان يسير في تلك المرحلة على طريقة: اشهدوا لي عند الأمير..

وبعد ذلك، سرعان ما انقلب صاحبنا في قفزةٍ جنبلاطيّة أخرى، حيث صار يهاجم مرجعيّة السيد السيستاني بل ويهاجمه شخصياً عبر منشوراته حتى وصل سوء الأدب للتعريض به في أمور لا يرى العقلاء أو الفقهاء أنها خادشةٌ لو تمّت، كما أنّها أصبحت لاحقاً مرجعيّة السرقات الشرعية والمال مجهول المالك وفتاواها تحبس مطر السماء وتمنع بركة الأرض .. وووإلخ، مضافاً إلى محاولة التقليل من شأن فتوى الجهاد الكفائي بتعريضٍ من وحي مقولة: لو لم يخترع أديسون المصباح فسوف يخترعه غيرُه،.. وغير ذلك، والقفزة البهلوانيّة الظريفة ضمن هذه التقلُّبات هي مقولة أنّ الذي عيّن السيد السيستاني مرجعاً أعلى للطائفة هي لجنة مؤسسة السيد الخوئي في لندن!!
وهنا يحقّ لك أن تقول: واجنبلاطاه! وأين ذهب التسعون بالمائة من مجتهدي الطائفة وعلمائها؟!وكيف تبخّروا؟! وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يشكك هؤلاء التسعون بالمائة في هذا الأمر كما تفعل الآن؟ ولماذا أذعنوا جميعاً لهذه المرجعية؟! فإن لم يكن هو المجتهد الأعلم وسكتوا عن ذلك فأنت بنفسك أقررت أنّ التشيع يصبح على المحكّ إذا شككنا في هؤلاء، أليس كذلك؟!

هذا التقلّب والتلوّن الجنبلاطي هو ثمرة العمل بالانسياق وفقاً لـ«مقتضيات كل مرحلة»، فالتملُّق نحو مرجعية النجف كان يشكل طموحاً لفتح الأبواب بعد أن أُغلقت في حوزة قم، ولما سُدَّت الأبواب أمام المتملقين وبائعي المديح الفَسِل بالمجّان، قلب لهم ظهر المِجَنِ، وبانت العداوة والبغضاء، وبدأ التشكيك في هذه المرجعية، وشرع بإبرازها على أنها ثمرة توصيات لجنة - ليس فيها مجتهدٌ واحدٌ - جلست ذات يوم في لندن فرسمت مصير طائفةٍ بأكملها!

أقولها بكل صراحة، وليتها تجد محلاً في أذن صاحبنا..لو كان ميثاق العسر قد تخلّى عن القناعة القائمة على معادلة: (الوجود المثمر = الوجود ضمن مكتب أو حاشية) لما ابتلي بتملّق فلانٍ يوماً وذمِّه يوماً، ولكنه من الأشخاص الذين لا يرون لأنفسهم وجوداً حقيقياً إلا تحت عباءة الآخرين، وها هو الآن انصرف عن تملّق النجف إلى مُغازلة الوهابية واستنساخ طريقتهم وإشكالاتهم على التشيع ليكررها بشكل ببغائيّ، وهي مجرد أوراق محترقة مكررة نعرفها منذ سنوات طويلة، فنسألُ الله حسن العاقبةِ.

كان من دعاء الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) المعروف بدعاء «مكارم الأخلاق» وهو يُعلّم شيعته آداباً أخلاقيةً عظيمةً..:
(اللهم صل على محمد وآله، وصُنْ وجهي باليَسار، ولا تبتذل جاهي بالإقتار، فأسترزق أهل رزقك، وأستعطي شرار خلقك، فأفتتن من بحمد من أعطاني، وأبتلى بذمِّ من منعني، وأنت من دونهم وليُّ الإعطاء والمنع).

 المعلّقات الميثاقيّة في الفنون التملقيّة






فرية تعيين لجنة مؤسسة السيد الخوئي في لندن لتعيين المرجع الأعلى للشيعة!!