الأحد، 8 أغسطس 2021

حقيقة كتاب كسر الصّنم لأبي الفضل البرقعيّ

بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة كتاب كسر الصّنم لأبي الفضل البرقعيّ

في شهر أبريل سنة 2018 كتبتُ بمعيّة بعض الإخوة مجموعةً من المنشورات حول حقيقة بعض إصدارات المُنتحل المتطفّل (محمد حسين ترحيني) ومقدار السّرقات العلميّة في كتابه (عقائد الإمامية بين الأصيل والدخيل)، وبيّنا في ملفٍ خاصٍّ - تجدونه في هذا الرابط "هنا" - حجم السرقات في الكتب والنسخ واللصق من الكتب الأخرى، وكان من جملة مصادر سرقاته بعض كتب أبي الفضل البرقعيّ الذي اعتنت الحركة الوهّابية بتحقيق كتبه وترجمتها ونشرها، وهو ما يدلّ على تأثّره الشديد بقلم هذا الرجل، وفي هذا السياق، أعلن خبير السّرقات والانتحالات محمد حسين ترحينيّ أنّه قام بتحقيق كتاب (كسر الصّنم) للبرقعيّ المذكور، مع أنّ الكتاب مُترجَمٌ ومطبوعٌ منذ سنوات طويلة ولا أعتقد أنّ سارقاً فارغاً من العلم يمكنه أن يأتي بجديد في عمله هذا، إلّا أنّه لتأثّره به سارع إلى إحياء تراثه مجدّداً.

وفيما يخصُّ هذا الإصدار الجديد، رأيتُ من المناسب أن أسلّط الضوء على المستوى العلميّ لهذا الكتاب بإيجازٍ بما يُظهر مستوى الكاتب المؤلّف، والمروّج الأحمق المعجَب بهذا المستوى الهابط من الكتابات الفارغة. وسوف أعتمد في هذه المقالة على الطبعة الصّادرة في الأردنّ عن دار البيارق سنة 1998م.

إنّ الفكرة الأساسيّة لكتاب (كسر الصّنم) هي نقد روايات كتاب الكافي الشّريف سنداً ومتناً، وقد نحا المؤلّف في ذلك منحى الاختصار والإيجاز، إلّا أنّ كثيراً من تعليقاته على أحاديث الكافي تُظهر جهلاً في جانب المعرفة بالرّجال والدّراية، بالإضافة إلى ضعفٍ شديدٍ في فهم الرّوايات حتّى على مستوى الإلمام بمعاني الألفاظ العربيّة. وأمّا إطلاقه للدعاوى غير المستندة إلى دليل فهو من الكثرة بمكان. ويجمعُ هذا الضّعف في كل الجوانب اتّصافه بالافتقار إلى المنهج، فما لا يكون مبنيّاً على منهجٍ واضحٍ لا يمكن الاعتماد عليه في إقناع الآخرين؛ لأن ذلك سينجرّ إلى إطلاق الأقوال المتهافتة والمتناقضة. هذا ما يمكن بيانه بإيجاز بشأن الكتاب، وأما تفصيل ذلك فسوف نشير إليه في عدّة مقامات. 
1. المقام الأوّل: الافتقار إلى المنهج.
2. المقام الثاني: ضعف المعرفة الرّجالية وإطلاق دعاوى لا أصل لها.
3. المقام الثالث: ضعف فهمه للروايات وإدّعاء لوازم فاسدة بناءً على فهمه السقيم.

المقام الأوّل: الافتقار إلى المنهج.
إنّ العمل على نقد الحديث وتحقيقه يستدعي الالتزام بالمنهج العلميّ والتقيّد به، فلا يطلق الباحث أقوالاً لا مستند لها، ولا ينسب أموراً مبنيّةً على ذوقه الخاص ليُلزم بها الآخرين وهي مفتقرة إلى الدّليل، ولا يتسرّع في نقد الحديث بناءً على فهمه السّقيم متجاوزاً بذلك ضوابط الاستظهار وأساليب فهم النصّ.
وإذا طالعنا كتاب (كسر الصنم) عرفنا أنّ المؤلّف قد ابتُلي بهذه الآفات، ولم يكن متقيّداً بمنهج علميّ مقنِع، بل كان يسرد قناعاته الشخصيّة من دون أيّ برهنةٍ ولا استدلالٍ إلّا فيما شذّ وندر، حتّى إنّه لا تكاد تخلو صفحةٌ من إشكالاتٍ متعددة، ولذلك تجاوز مرحلة إقامة البرهان إلى إطلاق الآراء والنتائج مُرسلاً إيّاها إرسال الواضحات. وسنذكر نماذج من هذا القبيل في المقامين الآتيين.

المقام الثاني: ضعف المعرفة الرّجالية وإطلاق دعاوى لا أصل لها.
من الواضح لمن تصفّح الكتاب وكان على درايةٍ ببديهيّات علم الرّجال والدراية أنّ هذا الرجل ليس له حظّ من التحقيق والمعرفة، وإنّما يعتمدُ على معلوماتٍ مشوّشةٍ بالإضافة إلى دعاوى لا أصل لها تتحيّرُ بها ألبابُ المحقّقين والباحثين في هذا المجال، ومن ذلك:
[1] قوله عن الشيخ أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ إنّه ضعيف؛ لأنّه كان شاكّاً في الدِّين، وهذا مبنيٌّ على فهم خاطئ لروايةٍ وردت في الكافي، وقد بيّناها في هذه المقالة [هنا] وذكرنا كلام السيّد بحر العلوم والسيّد الخوئيّ في دلالتها.
[2] قوله (ص45) عن بداية السند الأوّل في الكافي: (جاء في سنده "أخبرنا" ولا يُعلم من الذي قال "أخبرنا")، وأيّ إنسانٍ له دراية واطّلاع على كتب الحديث يعلمُ أنّ جملةً من كتب الحديث تبدأ بهذا الشكل، وأنّ القائل يكونُ أحد رواة الكتاب. بطبيعة الحال، هذا ليس مُطّرداً، ولكنّه واقع في جملة من كتب الحديث عند الشيعة والسنة، ومن ذلك ما وقع في كتاب الكافي للشيخ الكلينيّ وكتاب سنن سعيد بن منصور؛ فإنّك تجدُ في بداية كل حديث قول: (حدّثنا سعيد)، وليس هو القائل، بل راوي الكتاب عنه. فانظر إلى مدى جهله بكتب الحديث.
[3] قوله (ص46) (ص49) وفي موارد متعددة أنّ ابن فضّال واقفيّ، وقد كرر ذلك من أوّل كتابه إلى آخره في موارد كثيرة، وواضحٌ جداً أنّ هذا الرجل لم يكن واقفياً قط بل لا دليل على ذلك، بل كان فطحيّاً، وقد رُوي عنه الرّجوع إلينا كما في (رجال النجاشيّ)، ولكن المؤلّف المتسرع لم يسعه التمييز.
[4] قوله (ص58) عن عبد الله بن ميمون القدّاح أنّه كان فاسداً وفاسقاً وصانعاً ومؤسساً للمذهب الإسماعيليّ، ووصفه بالمؤسس أيضاً مرة أخرى (ص61)، وقد خلط في هذا بين عبد الله بن ميمون القدّاح الإماميّ وعبد الله بن ميمون القدّاح الإسماعيليّ، والفوارق بينهما متعدّدة، وليس بينهما أيّ اشتراك سوى في الاسم، وقد تعرّض لهذه المسألة بالتفصيل الشيخ جعفر السبحاني في كتابه (بحوث في الملل والنحل، ج8، ص47-65)، فراجع.
[5] قوله (ص61) في تقييم أحد الأحاديث: (لا يصح سنده برأينا، لوجود حريز الذي كانت له عصابة تغتال الناس وقد سلّ السيف آخر الأمر لقتال الخوارج، وقد قُتل مع أصحابه، ولم يسمح سيدنا الصادق له بالدخول)، وفيما يتعلّق بحريز السجستانيّ فإنّ وصفه بأنّ له عصابة تغتال الناس إيهامٌ بأنّه كان مجرماً يقتل الأبرياء، وهذا لم يُذكر في سيرته. نعم؛ ذُكر أنّه سلّ السيف لقتال الخوارج، وأين هذا من اغتيال الناس؟ ثم إنّ حجب الصادق عليه السلام له كان بسبب دخوله في النشاط المسلّح ضد الخوارج، وكان هذا لجهة التقيّة، فلا يدلّ على تضعيفه. فانظر إلى أسلوبه في تضعيف الأحاديث كيف يأتي بأمورٍ مذكورة ثم يخلطها بأشياء من عنده، ليخرج بالنتيجة المسبقة التي يهواها! والجدير بالذكر، أنّ العلماء لا يختلفون في وثاقة حريز السجستانيّ.
[6] قوله (ص77) إنّ كتاب سليم في نصٌّ على أنّ عدد الأئمة ثلاثة عشر، وقوله (ص341) عن بعض روايات الكافي أنّها تدلّ على ذلك أيضاً، وقد عالجنا هذه المسألة في مقال مستقل بعيداً عن التهويلات التي يضخّمها أمثال البرقعي [هنا].
[7] قوله (ص46) عن سيف بن عميرة إنّه كان ملعوناً من الأئمّة، ولم يثبت ذلك، ولعلّ ذلك مبني على توهّم كونه واقفياً ولم يثبت أيضاً، وقد تعرّض لهذه المسألة السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث، ج9، ص383.
[8] ومن عجائب المؤلّف نسبة بعض المقولات إلى جملة من الرواة من دون أن يكون لذلك أثرٌ في سيرتهم، ومن ذلك:
- قوله (ص112) عن الثقة الجليل الحسن بن محبوب إنّه من الغلاة!!
- قوله (ص149) عن سهل بن زياد الآدميّ إنّه كان مقلداً للصوفيّة!!
- قوله (ص297) عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ إنه كان مذهبه الغلوّ، ولم يثبت ذلك بل دونه خرط القتاد!!

ومن الخلل المنهجيّ في التعامل مع البحث الرّجالي أنّك تجده سريع التضعيف والتكذيب لمئات الأخبار بأيسر جهدٍ، وفي مقام تضعيف بعض الرواة يقول إنّ فلاناً لعنه الأئمّة، فأين هي الروايات المعتبرة التي تفيد لعن الأئمة لهذا الراوي أو ذاك؟ وكيف أحرز صحّة أسانيدها وفيها كثيرٌ من الرواة الضعفاء بحسب ما التزم به؟! وبهذا يظهرُ أنّ الرواية التي يراها نافعةً لمطلبه يغضّ النظر عن البحث في سندها ومتنها، ويُطلقها كأنّها مسلّمة بلا شكّ!! وإذا كانت خلاف هواه تكلّف إيجاد العلل القادحة ولو لم يكن لها أصلٌ معتبرٌ، أليس هذا من التناقض والتلاعب؟! 
ومن ذلك أيضاً: تضعيفه لبعض الثقات بذريعة أنّهم رووا الخرافات أو رووا روايات تعارض القرآن أو أنّ بعضهم روى روايات فيتحريف القرآن وبذلك ضعّف معاوية بن وهب والحسن بن محبوب ومحمد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ وأبي هاشم الجعفريّ وعلي بن إبراهيم القميّ الذين اتّفق جمهور أهل العلم على توثيقهم، وأيّ منهج هذا؟ بل هذا أقرب إلى اللّعب والطفوليّة، فهل يلزم من كون الراوي ناقلاً لأخبار مردودة أن يكون ضعيفاً؟ إذن للزم من ذلك ردّ كل أحاديث المسلمين من كل الفرق والطوائف، وهذا يستلزم بناء دين جديد لا فقه جديد فقط!! فإنّا لم نجد أحداً من علماء الحديث عند أي فرقة من فرق الإسلام تضعّف راوياً لأنّ بعض رواياته فيها إشكال، فكيف لو كانت إشكالات البرقعيّ على روايات أولئك متهافتة وضعيفة وكاشفة عن سوء فهمٍ وجهل بالقرآن ولغة العرب؟! وكيف لو كانت بعض أفكار البرقعيّ التي يريد أن يجعلها أصلاً لرمي الرواة بالغلوّ تنافي ما اتّفق عليه جمهور المسلمين ورواياتهم الصحيحة، فمثلاً قد عدّ البرقعي علمُ أمير المؤمنين عليه السلام بشهادته على يد ابن ملجم من قول الغلاة مع أنّه ثبت برواية رواة أهل السنة ومحدّثيهم الذين هم أبعد الخلق عن المغالاة في أهل البيت (عليهم السلام) وقد ذكروا ذلك بأصحّ الأسانيد [هنا].
ومن الخلل أيضاً احتجاجه بأدعية الإمام السجّاد عليه السلام في الصحيفة السجادية لبيان مدح الصحابة (انظر: ص221)، وفي الوقت نفسه يقول إنّ الإمامة ليست مختصّةً بأحدٍ وإنّما هي لكل من يليق لها من المسلمين (انظر: ص222-223)، في حين أنّ الإمام السجّاد عليه السلام في دعاء عرفة ينصُّ على أنّ الله جعل خلافته في آل محمّد عليهم السلام، قال: (ربّ صلّ على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك، وجعلتهم خزنة علمك، وحفظة دينك، وخلفاءك في أرضك، وحججك على عبادك وطهّرتهم من الرجس والدنس تطهيراً بإرادتك، وجعلتهم الوسيلة إليك، والمسلك إلى جنّتك)، فما الوجه في هذه الانتقائيّة المزاجيّة؟! فمتى كانت نصوص الصحيفة تلائمه أخذ بها، ومتى خالفت رأيَه أعرض عنها وتجاهلها، فهل هذا منهج علميّ أم ذوقيّ؟!
وفي طيّات الكتاب تراه يدقّق في بعض الأسانيد، حتى إذا جاء إلى معتقداته أطلقها بلا دليل من دون حاجة إلى سندٍ صحيحٍ، ومن ذلك ما نسبه في (ص52) أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله قال: (خيرُ القرونِ قرني)!!! وفي مقدّمة كتابه (ص28) ينسب للإمام الصادق عليه السلام أنّه أمر بعدم دعوة النّاس إليهم، محتجّاً بأحاديث باب (ترك دعاء الناس) الوارد في الجزء الثاني من الكافي، وكل أسانيد ذلك الباب ضعيفة على رأي البرقعي، وقد طعن في رواتها جميعاً بشكل مباشر أو غير ذلك، فمتى أراد الاحتجاج بحديث أطلقه، ومتى لم يعجبه آخر بدأ بالطّعن في إسنادها!! فهل هذا عملٌ منهجيٌّ أم ذوقيٌّ؟

والحاصل: هل يريد البرقعيّ أن يحاجج الآخرين وفق القواعد العلميّة أم وفق آرائه ونتائجه التي لم يذكر دليلاً عليها ولم يسهب في التأصيل لها؟! إن نمط الفتاوى الجاهزة لا يصلح لمحاكمة كتابٍ عريقٍ من كتب الحديث بهذه البساطة والسطحيّة، وإلا فيمكن لكل شخص أن يخترع قواعد من عنده ثم يستشكل بها على ما يشاء من نصوص الدين.

المقام الثالث: ضعف فهمه للروايات وإدّعاؤه لوازم فاسدة بناءً على فهمه السقيم.
أما بالنسبة لفهم الحديث، فالرجل غارقٌ في ظلمات الجهل بسبب قلة معرفته باللغة العربيّة، وجهله بلسان الروايات الشريفة، وحيث إنّ إيراد جميع ما ذكره من الطوام الفاضحة متعذّر نقتصر على ذكر بعض النماذج، فمنها:
[1] قوله (ص45) عن الحديث الأوّل في الكافي: (وأمّا متنه فغير صحيحٍ؛ حيث وضع العقل مقابل الجهل، بل الجهلُ يقابل العلم).
وهذا دالٌّ على جهله بكلام العرب؛ فإنّ اصطلاح "الجهل" الوارد في روايات الباب ليس بمعنى "عدم العلم"، بل هو بمعنى السَّفَه، قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة): ( الجيم والهاء واللام أصلان: أحدهما خلاف العلم، والآخر الخفّة وخلاف الطمأنينة)، والمراد بالعقل هو القوّة العمليّة التي تبعث على التصرّف بحكمة واتّزان بدون خفّة وسفه. ويدلّ على ذلك ما ذُكر في حديث جنود العقل والجهل، حيث ذُكرت الصفات العمليّة التي يتضح من خلالها حكمة الإنسان واتزانه ومدى الفضيلة فيه أو سفاهته وخفّته ومدى الرذيلة فيه.
[2] قوله (ص45) عن الحديث الثالث إنّه فيه إشكال؛ لأنه يدل على أنّ معاوية لا عقل له وبالتالي فهو غير مكلّف، ولفظ الرواية: (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما العقل؟ قال: ما عُبِدَ به الرحمن واكتسب به الجنان. قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل)، وإشكاله أيضاً يكشف عن جهله بلغة العرب، فالعقل الوارد في الرواية هو كما ذكرناه آنفاً ولذلك عرّفه بقوله: ما عُبِد به الرحمن واكتُسِب به الجنان. وليس المراد بالعقل العقل النّظريّ وقوّة الإدراك، فهذه موجودة في معاوية وغيره. واشتقاق العقل من عِقال النّاقة؛ لأنه يعقلها ويمنعها من الانفلات، ومن معاني العقل في لسان العرب ما يمنع من السّفه والقول والفعل المذموم.
إذا اتّضح هذا فيكون المراد من الرواية أنّ معاوية لا عقل له بمعنى أنّه كان فاجراً فاسقاً لم يكن يمتنع عن السفيه القول والفعل، وتدل على ذلك سيرته.
[3] إشكاله (ص49) على حديث "إنّ رسول الله لم يكلّم أحداً بكُنه عقله قطّ"، قال: (فإذا لم يتكلّم بكُنه عقله فبماذا كان يتكلّم ؟) والجواب واضحٌ من خلال تتمّة الرواية، وهو أنّ رسول الله كان يكلّم الناس على قدر عقولهم لا على قدر عقله؛ فإنّ عقله كان أتمّ وأوفر من عقول سائر الخلائق، ولذلك ورد في تتمة الرواية أنّ الأنبياء أُمروا أن يكلّموا الناس على قدر عقولهم.
[4] روى الكلينيّ بسنده عن المفضّل بن عمر، قال: (وجّه أبو جعفر المنصور إلى الحسن بن زيد وهو واليه على الحرمين أن أحرق على جعفر بن محمد داره، فألقى النار في دار أبي عبد الله فأخذت النار في الباب والدهليز، فخرج أبو عبد الله عليه السلام يتخطى النار ويمشي فيها ويقول: أنا ابن أعراق الثرى، أنا ابن إبراهيم خليل الله).
قال البرقعيّ (ص312-313) في الإشكال على الرّواية: (وهذا العمل منه مخالف للعقل والقرآن، لأن سيدنا إبراهيم لم يذهب ويلقي بنفسه في النار بل ألقاه أعداؤه فجعل فجعل الله النار عليه برداً وسلاماً كما قال في القرآن: (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً) ولكنه في هذا الخبر جعل الإمام الصادق عليه السلام يتخطى النار ويمشي فيها طواعيةً. ثانياً: إن اجتناب النار واجب بحكم العقل والقرآن سواءً في ذلك الإمام أو المأموم، ثالثاً: ليس لأحدٍ من الناس أن يفتخر بآبائه وأجداده ويمشي على النّار).
فانظر إلى هذا الأسلوب المتهافت في الإشكال على الرواية، فمن الواضح أنّ الروايةَ ناظرةٌ إلى الجنبة الإعجازيّة وهي مشي الإمام في النار مع عدم إحراقها له، بالإضافة إلى ذكره لأبيه إبراهيم عليه السلام للتذكير بمقامه منه وتشاكل الحال بينه وبين خليل الله، ولذلك لم يذكر غيره من الأنبياء، وإنّما خصّ خليل الله بالذكر لمناسبة الحال.
[5] قوله ص317: (ثم هل الجنّة موجودة الآن أم أنها ستوجد؟! كثير من المحققين يقولون إنّ الجنة غير مخلوقة والله أعلم) وهذا القول خلاف جمهور المسلمين سنة وشيعة.
[6] إشكاله على ورود اسم الإمام الحجة في حديث اللوح مُقطّعاً (م ح م د)، فقال (ص338): (والدليل الآخر على كذب هذا أنه يقول إنّ الله عمل بالتقية وذلك أيضاً مع رسوله، ورمز اسم محمد بن الحسن العسكري (م ح م د) فهل يحتاج الله سبحانه أن يعمل بالتقية مع رسوله؟ حاشاه سبحانه) وهذا جهلٌ فظيعٌ منه؛ فإنّ تقطيع اسم الإمام ناشئ عن عادةٍ درجت لدى المحدّثين تبعاً لأحاديث النهي عن التصريح باسمه، كما نصّ على ذلك الميرداماد في (شرعة التسمية، ص83) والفيض الكاشاني في (الوافي، ج2، ص299)، فانظر إلى مبلغ علم هذا الرجل ومدى معرفته بكتب الحديث ودرايته بما فيها وطريقة عمل مؤلّفيها حتى أنّه يظنّ شيئاً صنعه المحدّث هو من صنع الله!!!!
[7] قال (ص300): (سُئل عن معنى (السلام على رسول الله) من الإمام، وكان السائل داود بن كثير الرقيّ الذي ضعّفه علماء الرجال وعدّوه فاسد المذهب ومرجعاً للغلاة والراوي عنه أيضاً هو محمد بن سنان الكذّاب. والآن لنرَ ماذا كان جواب الإمام أو ماذا اختلقوا على لسان الإمام، قال: السلام هو أرض فيها كل ما تريدون ولا خصومة فيها أعدها الله للنبيّ وأهل البيت والشيعة.
ويبدو أنّ هؤلاء الرواة لم يكونوا يعرفون لغة العرب فبناءً على هذه الرواية وعندما يقول الناس (السلام على رسول الله) يجب أن يقولوا: (السلام لرسول الله) ولكن الرواة كانوا جهلة، وهل كان الكلينيّ إلا كأهل إيران إذ لم يكن له معرفة في كلام العرب).
ولا أدري لِمَ استثنى البرقعيّ نفسه مع أنّه أيضاً من أهل إيران! وعلى أيّ حال، فما نسبه من فهمٍ للرواية يثبت أنّه هو الذي لا يفهم كلام العرب، وأنه أجدرُ أهل إيران بهذا الوصف، فالرواية لم تقل إنّ السلام = هو أرض. بل ما في الرواية: أنّ السلام على رسول الله تذكيرٌ بالميثاق وتجديدٌ له على الله، ومن لوازم هذا الميثاق أنّ الله سيكافئ أولياءه وشيعتهم بالأرض المباركة والحرم الآمن حيث لا خصومة ولا أعداء..إلخ الرواية، وبناءً على ذلك: من هو الجاهل بلغة العرب؟ إنّ مثل هذه الإشكالات أحرى بأن تكون ضمن الطّرائف والنوادر!!

وهكذا امتلأ كتابه بهذا المنطق الغثّ في نقد الأخبار حتّى أنّه يعدّ كل علمٍ للغيب غلوّاً مع ثبوت ذلك للنبي وأمير المؤمنين عليه السلام في كتب العامّة أيضاً، ويعدّ كل خارق للعادة غلواً مع اتفاق جمهور المسلمين سنة وشيعة على جواز صدور خوارق العادات من الأولياء والصالحين، وهكذا كان ينقد الأخبار بذوقه الخاص من دون حجّة ملزمةٍ لأحد من الشيعة فضلاً عن غيرهم، وبهذا وغيره يتّضح مدى ضعف الكتاب وتهافته وعدم إتيانه بأدنى لوازم النقد العلميّ لأحاديث كتاب الكافي، لا على مستوى انتظام منهج النقد، ولا على مستوى الدراية بالرجال ومعرفة اللسان العربيّ وفهم الأخبار.
والحاصل: إنّ البرقعي كان إنساناً بسيطاً لا حظّ له من العلم والتحقيق، وقد امتطاه الوهابيّة لتحقيق مآربهم بالطعن في التشيع، والآن يوجد من يرى فيه باباً من أبواب الاستثمار فعمل على توظيف كتبه بعد أن أكل الدهر عليها وشرب.

السبت، 24 يوليو 2021

فهرس مقالات المدونة

بسم الله الرحمن الرحيم


[1] رسالتنا
[2] هل تثبت إمامة الإمام بروايته؟ وهل يستلزم ذلك الدور؟
[3] لماذا لم تستخدم الزهراء عليها السلام حديث لوح جابر لإثبات الإمامة؟
[4] مغالطات في شأن الإمامة «1»
[5] مغالطات في شأن الإمامة «2»
[6] مغالطات في شأن الإمامة «3»
[7] مغالطات في شأن الإمامة «4»
[8] مغالطات في شأن الإمامة «5»
[9] مغالطات في شأن الإمامة «6»
[10] نقض بعض الإشكالات حول إمامة الإمام الكاظم (عليه السلام)
[11]الحيرة بعد الإمام الصادق (عليه السلام) وروايات الخلفاء الاثني عشر..
[12] النصّ على الإمام الكاظم (ع) بين المحكمات والمتشابهات
[13] زيارة الأربعين عند السيد الخوئي
[14] نقض شبهات ميثاق العسر حول حديث (يؤذيني ما آذاها) – الحلقة الأولى
[15] نقض شبهات ميثاق العسر حول حديث (يؤذيني ما آذاها) – الحلقة الثانية
[16] الشيخ الكليني ورواية «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة».
[17] ميثاق العسر والكذب على السيّد الخوئي - الحلقة الأولى
[18] ميثاق العسر والكذب على السيد الخوئي – الحلقة الثانية
[19] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الأولى
[20] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الثانية
[21] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الثالثة
[22] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الرابعة
[23] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الخامسة
[24] ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة السادسة
[25] ميثاق العسر واعتبار بعض أسانيد حديث «إن الله يغضب لغضب فاطمة» - الحلقة الأولى
[26] ميثاق العسر واعتبار بعض أسانيد حديث «إن الله يغضب لغضب فاطمة» - الحلقة الثانية
[27] ميثاق العسر واعتبار بعض أسانيد حديث «إن الله يغضب لغضب فاطمة» - الحلقة الثالثة
[28] ميثاق العسر يعترف: حديث «فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني» هو حديث قطعيّ الصدور عن النبي (ص)
[29] جنبلاط الحوزة العلميّة: ميثاق العسر يعترف بأنّه على خُطى ذوي الأقلام المأجورة، فمن استأجره؟!
[30] جنبلاط الحوزة العلميّة: فنونُ التملُّق نحو المرجعية العليا في النجف الأشرف
[31] جنبلاط الحوزة العلمية: يحوطون التقليد ما درّت معايشهم، فإذا فُتنوا منعوا التقليد!
[32] فضيحة ميثاق العسر واعترافه بأنّه كذّاب مزوّر
[33] نقض شبهة تحريف الصدوق رواية ابن جندب في سجدة الشكر
[34] كلام حول سلخ رأس سيد الشهداء (عليه السلام)

سلسلة منشورات نقد الزيدية