السبت، 19 سبتمبر 2020

تعليقات موجزة حول التشكيك بتاريخ السفراء الأربعة

 بسم الله الرحمن الرحيم

تعليقات موجزة حول التشكيك بتاريخ السفراء الأربعة

كتبَ ميثاقُ العسر هذا النصّ محاولاً إيراد شبهةٍ بحقّ سفراء الإمام الحجّة (ع):

وهنا ينبغي الإشارة إلى جملةٍ من النقاط:

[1] للبحث في المسائل التاريخيّة التي تتعلق بالتشيّع، يمكنك أن تحاورَ المتعهّد والملتزم بالأدلّة الصحيحة وأن تصل معه إلى نتيجةٍ، أما من ينتقي وفقاً لمزاجه فإنّك لا يمكنك أن تتفاهم معه، وعلى سبيل المثال ما يحاول هذا الكاتب إبرازه في مسألة السفراء الأربعة، فهو يحاول أن يُوقِعَ واقعاً عاشه من خلال تجربته مع جهةٍ دينيةٍ ما على السفراء الأربعة، ويريد أن يوحيَ للقارئ أنّ مسألة السفراء الأربعة نشأت من سطوة عائلة (بني نوبخت) التي فرضت نفسها على الواقع الشيعيّ، مع أنّه من المستحيل أن تنضوي طائفة بأكملها تحت لواء عائلة واحدة في مقابل وجود بيوتات علميّة أخرى ترى لنفسها وزناً في التشيع أمثال آل أعين وبني بابويه وأشاعرة قم وغيرهم، فكيف يتصور رضوخ قم وبغداد وسائر المناطق إجماعاً بما فيها من عائلات ذات ثقل علمي أمام بني نوبخت، فعلى الأقل، لماذا لم ينازعوهم؟! إذا كانت المسألة ليست تعبّدية، بل سطوة عائليّة فما سر اتّفاق الشيعة على مرجعية السفراء الأربعة، مع أنه لم يكن من بني نوبخت أحد منهم إلا ثالث السفراء فقط، فيا لهذه السيطرة المزعومة!!

[2] كيف عرف المشكك بأن تلك التهم كيدية، ولازم ذلك أنه وقف على حقيقة تلك القضايا، وميز الحق من الباطل، فلماذا لم يتحف متابعيه بدليل هذا الاكتشاف، أم أن القضية من إفرازات الولع بالتشكيك!! هكذا يضمّن شبهاته (فتاوى جاهزة) كالعادة، وبذلك يصبح الاتهام دليلاً، وتصبح الدعوى دليلاً (!).

[3] إنّ الدليل الصحيح يقودنا إلى أن أمر السفارة بدأ بالعمري وابنه، ولا يوجد في الكتب دليلٌ واحدٌ على وجود أثر لبني نوبخت في اختيار هؤلاء، بل الثابت بالأسانيد العالية الصحيحة أنّ وثاقة العمري وابنه واختيارهما كوجوه موثوقة للشيعة كان من قِبل الإمام العسكري (عليه السلام) وفي الرواية قول الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري: (وأخبرني أبو علي [أحمد بن إسحاق الأشعري الثقة الجليل] أنه سأل أبا محمد عليه السلام عن مثل ذلك، فقال له : العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك)، رواه الكليني وسند الرواية صحيح باتفاق علماء الرجال، لم يطعنوا في وثاقة وصدق رجلٍ منهم، ولا قطع في الإسناد ولا خلل، وفي هذا الإسناد قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره: ( إِذن فمثل هذه السلسلة الذهبيّة ممّا يطمئن بصدق تمام رواتها) [بحوث في علم الأصول، بتقرير السيد محمود الهاشمي الشاهروديّ].

وهنا يمكن للعاقل أن يتخيّر بين أن يأخذَ بهذه الحجج أو تحليلات المجهولين الذين مرّوا بتجارب نفسيّة سيئة جداً خلال حياتهم (الدينيّة).. على أنّ مسألة وثاقة السفراء الأربعة كانت محل اتّفاق جماهير الشيعة، وفي ذلك يصف الثقة الجليل هارون بن موسى التلعكبري مسألة انحراف الشلمغاني عن السفير الثالث: «أقامت الشيعة على لعنه والبراءة منه» [غيبة الطوسي] ما يعني أنّ انقياد الشيعة لهؤلاء كان محلّ تسالمٍ، والخارج عنهم منبوذٌ في الطائفة.

[4] إذا قبلنا بالتفكير بسذاجة في أنّ آل نوبخت هم من كانوا يديرون دفّة الزعامة وصنعوا هذه الزعامة لأنفسهم من خلال دعوى السفارة، فلماذا سلّم السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي السفارة لشخصٍ ليس من عائلته، ولماذا يخسرون موقعاً كبيراً للتحكم في التشيع فأغلقوا باب السفارة وبثوا النص على تكذيب مدّعيها، فأصحاب الزعامات والسطوات لا يبحثون إلا عن بقاء نقاط القوّة بأيديهم، فلماذا أغلقوا باب السفارة؟! وجلسوا بدون أي منفذ قوة، فلا سفارة ولا مرجعية ولا زعامة، وإنّما انتهى الأمرُ إلى قيادة الفقهاء.

[5] عملُ السفراء الأربعة لم يقتصر على تلقي الأموال ونقلها، بل كانوا يتصدون للأمور الدينية، وهذا لا يخلو من أن يكون هؤلاء يكذبون ويضللون طائفةً بأكملها، أو أنهم صادقون، فإن كان الأول فهذا مفوّت لأغراض الشارع وناقض لغرض الهداية بما يمحو صورتها تماماً، ويستدعي من الإمام أن يتصدى لذلك أو أن ينصب من يبين هذا، على أن يظهر كذب السفراء في زمانهم لا سنة 2018 على الفيسبوك. أو أنّ هؤلاء أهل ثقة وصدقٍ وأمانة كما هو الثابت من توثيقهم من قِبل المعصوم (عليه السلام) والمتفق عليه بين جميع علماء الإماميّة. على أنّ الرجل المشكك لا يهتمّ للإلزام بضرورة تصدي الإمام في وجه السفراء المدّعين المضللين لطائفة بأكملها؛ لأنه لا يعتقد بوجود الإمام أصلاً، يفهم هذا من يقرأ ما بين السطور(1)، وإنما يدغدغ مشاعر السذّج والبسطاء ومن لا يقرؤون شيئاً فشيئاً حتى يوصلهم للشك بتمام مفردات العقيدة واحدةً واحدة حتى يرمي بهم في وحل الإلحاد.

[6] العاقل ينبغي له أن يتخيّر بين التحليلات التي لا تخفى فيها الآثار النفسيّة الحادّة من التجربة السابقة للكاتب - وهو معروفٌ لمن عرفه - وما هي الصدمات والإخفاقات التي مُنِي بها خلال مسيرته (التجارية الدينية)، وبين أن يأخذ بالأدلة الصحيحة والموثوقة من كتب العلماء المقطوع بصدقهم وأمانتهم مع بروز الشواهد الكثيرة على عدم تواطؤهم على الكذب.

[7] الذي يضحكُ في تحليل هذا الكاتب الفذّ، أنّه كان يطالب دوماً القراء بالتفكير خارج الصندوق، إلا أنّه هذه المرة فكّر بطريقة الصندوق الذي كان محبوساً فيه لسنوات، فقد كان عضواً في مافيا دينية نَمَتْ على السطوة الماليّة والإعلامية التي حظيت بها، ويبدو أنّه عمل بالاستصحاب القهقرائي وظنّ أن التشيع منذ بدايته هكذا، وظنّ أنه ما كان هناك صادقون ولا مخلصون، ولعله يظن الكليني والصدوق أمثال أستاذه المبارك الذي نما وترعرع عبر المال والإعلام وسرقة الكتب من المؤلفين، وهنا سؤال أخير:

يوماً ما، كنتَ قد وصفت أستاذك الحيدري بـ(العلّامة) وأنت تروج دروسه وكتبه ثم خرجت علينا في صفحتك لتفضحه ولتقول إنه لا يعرف المسائل الخلافيّة مع أهل السنة، وفي الفلسفة سرق من الشيخ غلام رضا فياضي وووإلخ، ووجدت لنفسك تبريرات لخديعة الناس يوم كنت تقول لهم إن أستاذك علّامة!!.. فما الضامن للقراء أنّك الآن لا تخدعهم في حيلةٍ أخرى لا سيّما أنك بوقٌ يجري في الاتجاه الذي يُدفع به؟!!

____________

(1) كتب الشيخ إبراهيم جواد هذا الرد في صفحته الشخصيّة بتاريخ 4/3/2018 ولم يكن ذلك المنحرف قد صرّح علانيةً بنفي وجود الحُجّة (عليه السلام)، وهو الآن كما قيل حقّاً يجرُّ الآخرين إلى الإلحاد فقد وصل مؤخراً إلى مرحلة الطعن في القرآن الكريم مدّعياً أنّ جمعه لم يكن أمراً قد اهتمّت به (السماء)، كما نفى الإمامة، وطعن في مقامات أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم..فبئس العاقبة التي انتهت بتُجّار الدين.