الخميس، 1 أكتوبر 2020

ميثاق العسر ومحاولته الفاشلة لإجابة التّحدي القرآني!

بسم الله الرحمن الرحيم
ميثاق العسر ومحاولته الفاشلة لإجابة التّحدي القرآني!

كتب ميثاق العسر هذا التعليق ضمن إحدى المنشورات، محاولاً إجابة التحدي القرآنيّ الذي تحدى به اللهُ المشركينَ أن يأتوا بسورة من مثله.

وكتب الشيخ أحمد أبو زيد العامليّ على صفحته الشخصيّة:

تحدّى القرآن الكريم العرب أن يأتوا بمثله.. لم يصلنا ما يشير إلى أنّ بلغاء العرب الذين كانوا يفتخرون بأشعارهم ومعلّقاتهم، والذين كانوا على اطّلاع بما يعرف بـ(سجع الكهّان) قد انساقوا لهذا التحدّي وقبلوه، وإنّما اعتبره البعض أقرب إلى السحر؛ لأنّ سرّ انجذاب الكثيرين له لم يكن في لغته وبلاغته فحسب، بل بمضامينه وبما به تحرّكت نفوسهم وتفاعلت مع الحقّ، حتّى إنّ بعض من آمن بالنبي (ص) كان يؤمن بعد سماعه آيةً أو آيتين، فليس السرّ في الجانب اللغوي فحسب..

إنّ إحجام العرب عمومًا عن الاستجابة لتحدّي (الإتيان بمثله) يُفهم على أساسٍ من إحدى أطروحتين، وقد قلنا (عمومًا) لأنّه لم يتمّ التعامل مع مقلّدة القرآن الكريم ـ كمسيلمة ـ تعاملًا جديًّا حتّى من غير المؤمنين بالقرآن، ولم يتمسّك أحدهم بمقولات مسيلمة ليصرخ ويقول: لقد أتينا بمثله:

الأطروحة الأولى: أن يكون العرب قد عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن الكريم وفق السياق الذي تحرّك به مسيلمة، أي أن يكونوا قد فهموا من (المثليّة) ما تحرّك مسيلمة لتحقيقه، مع إقرارهم بأنّ شخص ما أتى به مسيلمة لا يرقى إلى مستوى المنافسة. وبعبارة منطقيّة، يكونون قد فهموا كبرويًّا ما فهمه مسيلمة وأضرابه، لكنّه أنكروا عليه على مستوى الصغرى.
ويرجع الفشل في تحقيق الصغرى: أوّلًا: إلى فشل المتحدّى ـ بفتح الدال ـ في الحفاظ على جزالة الجانب اللغوي، وثانيًا: إلى أنّ عليه أن لا يقصر نظره في المنافسة على الجانب اللفظي والسبك اللغوي، بل عليه أن يتحرّك في جوّ المضامين العالية المحرّكة للنفوس، وهو أمرٌ لا يقوى على تحقيقه سوى بارئها.

الأطروحة الثانية: أن يكون العرب قد فهموا من المثليّة معنًى آخر مباينًا للمعنى السابق، وهو ما سنصطلح عليه بـ(المثليّة الندّيّة) أو (العرضيّة) ـ بتسكين الراء ـ في مقابل (المثليّة المحاكاتيّة) أو (الطوليّة) التي تمثّل المعنى الوارد في الاطروحة الأولى.
ولتوضيح المقصود من (المثليّة الندّيّة) أو (العرضيّة) سنضرب مثالًا من عالم البرمجيّات:
تطلق شركة مايكروسوفت برنامج (وورد) لمعالجة النصوص والنشر المكتبي (وورد ليس مخصّصًا لمعالجة الكتب)، وتتحدّى الشركات الأخرى أن يأتوا بمثله.
تستجيب العديد من شركات البرمجة للتحدّي، وتظهر على الساحة العديد من البرامج والتطبيقات (أوفيس سويت على سبيل المثال)، والمشترك بينها أنّك ستشعر عند إجرائها أنّك لا زلت في جوّ برنامج (وورد) نفسه؛ لأنّها لا تعدو كونها (محاكاةً) له، مع تغيير طفيف في تسميات الأوامر، لكنّها في النهاية خاضعة له وتقع في طوله، والأهمّ في الموضوع: لولا أنّ الوورد على هذا النحو لما جاءت هي على هذا النحو، وكلّ من يألف العمل في بيئة وورد سيألف العمل في بيئتها، مع قطع النظر الآن عن تقييمها، وهل ترقى إلى مستوى (وورد) أم لا.
وفي المقابل تستجيب شركة (أدوبي) للتحدّي وتُصدر برنامج (إنديزاين) الذي يقوم بمعالجة النصوص على أسس ومبادئ مختلفة تمامًا عن المبادئ التي يقوم عليها (وورد)؛ فالوورد يعمل على مبدأ (الملف) وعدم إمكانيّة التفكيك بين الصفحات التابعة لملفّ واحد، بينما يعتمد (إنديزاين) مبدأ التبعيض ويتيح إمكانيّة التحكّم الاختياري بالصفحات مفكّكةً، اعتمادًا منه على مبدأ (الصفحات الماستر) أو (القوالب المتعدّدة).
هذا مرورًا بطريقة معالجة الخطوط داخل البرنامج بعيدًا عن طريقة ظهور الخطّ في بيئة (الويندوز) أو (الماك)، وصولًا إلى خيارات التحكّم بالأسطر بطريقة غير موجودة أساسًا في (الوورد).
إنّ بإمكان مالك برنامج (أوفيس سويت) أن يقول لبيل غيتس: لقد استجبتُ للتحدّي وأتيتُ لك بـ(أوفيس سويت)، كما إنّ بإمكان تشارلز غيشكي مالك شركة أدوبي أن يقول الشيء نفسه، لكن لا مناص من الاعتراف بوجود فارقٍ كبيرٍ بين التحدّيين.

عندما نزل القرآن الكريم على العرب جاء بنظام لغوي كامل يشتمل على خصّيصتين في وقت واحد: الأولى أنّه عربيٌّ يفهمه العربي، والثانية: أنّ له طريقته الخاصّة في التعبير والأداء لم يألفها العرب ولم يتحدّثوا بها، حتّى إنّ النبي (ص) لم يتحدّث بها في حياته اليوميّة، فكان (ص) يحدّث الناس باللغة التي يعرفون، حتّى إذا نزل عليه الوحي انقلب إلى طريقة أخرى ونظام آخر في التعبير.

السؤال المركزي الآن: هل فهم العرب من التحدّي أنّهم مطالبون بالمثليّة بالمعنى الأوّل (المحاكاتيّة)؟ أم بالمعنى الثاني (الندّيّة)؟ وبعبارة أخرى: هل فهموا من التحدّي أنّ عليهم (تقليد) القرآن الكريم؟ أم فهموا أنّ عليهم أن يحدثوا نظامًا لغويًّا جديدًا، فيكون معنى التحدّي القرآني: لقد أتيتُ بنظام تعبيريٍّ جديد، وأنا أتحدّاكم أن تأتوا بنظام جديد، لا أنّه تحدّاهم أن يقلّدوه..
ولو سلّمنا أنّهم فهموا المعنى الأوّل: هل كان ذلك مقتصرًا على الجانب اللغوي البسيط؟ أم أنّه يتعدّاه إلى المركّب الذي يشتمل بمجموعه على (السحر) ـ مجازًا ـ الذي جعل أفئدة الناس تهوي إليه؟

وحول الصورة المرفقة: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.