الخميس، 3 سبتمبر 2020

كربلاء كما هي (١): سلسلة إجابات علميّة على ملف «كربلاء بنظرة لا مذهبيّة»

بسم الله الرحمن الرحيم
كربلاء كما هي (١): سلسلة إجابات علميّة على ملف «كربلاء بنظرة لا مذهبيّة»

الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، وأهل بيته الطيبين الطاهرين، الأئمة المعصومين؛ أما بعد:-

تُقدّم مدوّنة «إجابات علميّة» للإخوة القراء سلسلةً جديدةً بعنوان: «كربلاء كما هي» وذلك تعليقاً على بعض ما ورد من مُغالطاتٍ في ملفٍ نشره ميثاق العسر أسماه «كربلاء بنظرة لا مذهبيّة»، وهذه السلسلة هي مجموعة مقالات دوّنها بعض طلاب العلم لبيان تهافت تلك القصاصات التي جمعها العسر في ذلك الملف واعتبرها "كتاباً" على طريق "التنوير"!
وقبل الشروع بهذه السلسلة، ينبغي أن نشيرَ إلى جملةٍ من الملاحظات الكليّة حول هذا الملف، وطبيعة المغالطات والحِيل المستعملة فيه، وكيفيّة تناوله في المقالات الآتية، وغير ذلك:

الملاحظة الأولى: إنّ منهج الكاتب قائمٌ في جملةٍ من الموارد على المصادرات أو الفتاوى المُهيّأة والنتائج المحسومة، حيث لم يرفد كتابته بجنبة استدلاليّة معمّقة، بل اعتمد على طريقة الكتابة الصحفيّة والأسلوب الإنشائي في صفّ الكلام، ومن الواضح أنّ الخطابيّات لا تقدّم ولا تؤخّر لمن يبتغي الدليل والبرهان، فعلى سبيل المثال: ماذا يعني أن ينسخ ويلصق في ملفّه روايةً نقلها السيد المرتضى في كتاب (تنزيه الأنبياء) ثم يكتب قائلاً: "أنا واثقٌ كل الوثوق إنّك لا تقبل بهذه القراءة التي سجّلها السيد المرتضى في السطور أعلاه؛ لأنّك لا تريد أن تخلع نظارتك المذهبيّة المنبريّة، وتراها تصطدم مع الصورة النمطيّة الكلاميّة المفرطة المرسومة في ذهنك الشيعي عن الإمام الحسين وتحركاته"! (انظر: كربلاء بنظرة لا مذهبية، ص10).
ويا للعجب! السيد المرتضى ذكرَ روايةً، سرعان ما انطلق العسر إلى توظيفها، من دون أن يُتعب نفسه، فالفتوى الجاهزة والنتيجة المسبقة أقلّ عناءً، والحقّ والإنصاف أننا إذا كنا نبتغي المعرفة الصحيحة حقاً، فيجب أن تمرّ الرواية عبر آليات التحقيق، حيث يلزم البحث حول هذه الرواية من جهة الوثوق بصدورها، ومن حيث انسجامها مع السياق التاريخي الموثوق الوارد من المصادر المعتبرة، وخلوّها عن المُعارض، و..وإلخ، كل هذا قفز عنه العسر، وتجاهلَه، وانطلق نحو الوعظ الخطابي: أيها الشيعيّ! أنت لا تقبل هذه الرواية لأنّك لا تريد أن تخلع نظارتك المذهبية؟! ما هذه التفاهة؟! هل هذا هو التنوير حقّاً؟! نسخُ رواية ثم توظيفها مباشرةً دون بيان أي مقدمات تتوسط هذا التوظيف؟ فلنفترض أنني لا أقبل بهذه الرواية التي نقلها السيد المرتضى، ولديّ مبرراتي الموضوعية وأدلّتي العلميّة التي ساقتني إلى القول بضعف الوثوق بها؛ اعتماداً على أدلةٍ وبراهين علميّة مُحكمة، هل سيكون جزاء بحثي ونظري أن أُتّهم بأنني متعصّب لمذهبي كيفما كان؟! أليست هذه محاولة لترهيب نفوس القراء وتنفيرهم من تلك النتيجة بمثل هذه الدعاية الفارغة؟! أو لنفرض أنني أقبلُ الرواية التي ذكرها السيّد المرتضى، ولكني قمت بقراءتها بنحوٍ مغايرٍ، فما ربطُ ذلك بالنظّارة المذهبية؟! 
ولهذا نظائر أخرى، فما كتبه تحت عنوان "كربلاء وصورتها النمطيّة، ص7"، "ما الذي استفدناه ونستفيده من كربلاء، ص11"، "المقولات الكلامية وذبحها لمظلومية الحسين، ص22"، "تأملات في اندراج اللطم المعاصر تحت عنوان الجزع المأثور، ص26"، "تبريرات ما بعد الوقوع، ص43"، "الوجه التوحيدي المغيّب للأئمة، ص63"، "محرمات الحرم والإحرام في زيارة الأربعين، ص67"، كل هذه وغيرها مما لا نذكره تجنّباً للإطالة ليس إلّا كلاماً إنشائيّاً ومصادرات بنتائج جاهزة. ولعلّ ما يدفعُه لممارسة مثل هذا الأسلوب هو اعتماده على أنّه يتكلّم بلسان شيعيّ من الدّاخل، فيظنّ أن ذلك لافتٌ للنظر وله قيمة عند الناس باعتبار سابقته الحوزويّة - رغم عللها وفشلها -، مع أنّ كل ما تقدّم منه مبنيّ على إنشاءٍ خَطابيّ، فضلاً عما في نقده مما لا يمتّ لمباني التشيّع بصلة، بل أحياناً لا يمتّ للإسلام بصلة، فبعض إشكالاته لا يقدرُ الوهابيّة أنفسهم على التفوّه بها، وإنما يقدرُ على التفوه بها أصحاب المنهج الماديّ الذي لا يؤمن بما وراء الطبيعة.
الملاحظة الثانية: لقد صنّف ميثاق العسر "كتابه" على أساس أنّه قراءة لكربلاء بنظرة لا مذهبيّة، وأنّه "بحوث تنويريّة" في حين أننا لا ندري أين هي البحوث؟! وهل كل مَنْ نسخ منشوراته الفيسبوكيّة ولصقها في ملف وطبعه وأسماه "كتاباً" جازَ له أن يسمّيها "بحوث"؟! لعلّ الرجل بما له من سابقةٍ حوزويّة فاشلة وجهل أكاديميّ قد نسي ضابطة "البحوث"، وإذا كانت هذه المنشورات الفيسبوكيّة تسمى "بحوثاً"، فما أكثر الباحثين! تخيّل أنّك تقوم بجمع بعض الاقتباسات من عدة كتب ثم تعلق عليها بأسلوب المصادرة والنتيجة المسبقة، ثم تقدّم ذلك للقراء على أنّه "بحوث"! ألا يعي البعض ما في هذا من استخفافٍ بالعلم والقراء؟ لعلّ مكوثه في "لندن" قد أنساه الصبغة الأكاديمية أو الحوزويّة للبحث العلمي، فتردّى حتى صارت مجموعة منشورات خطابيّة لا تؤثّر إلا في بعض الضعفاء "بحوثاً تنويريّة"! 
الملاحظة الثالثة: إنّ تصنيف الكتاب بأنه "بحوث تنويريّة" لقراءة مغايرة لواقعة كربلاء يوحي للقارئ بأنّ هذه "البحوث" سوف تتناول لبّ الواقعة وأصولها وما يمسّ عمق الإيمان الشيعيّ بها، إلا أنّ شغف العسر بتجميع منشوراته الفيسبوكيّة قد أنساه ذلك، فأدخل فيه ما لا يتعلق بالنظرة إلى كربلاء، ولا يمسّ بها أصلاً ولا فرعاً، فلا ندري ماذا سيتغير – على المستوى المعرفي أو التنويريّ – إذا قال لي ميثاق العسر أنّ بيتين من الشعر ليسا لفلانٍ وإنما لغيره أو أنّ عبارة لشريعتي تمّت ترجمتها بشكل خاطئ. وهكذا أخذت مجموعة من المنشورات مساحةً من "بحوثه التنويريّة العميقة" من دون أن يكون لها أيّ أثرٍ معرفيّ في قراءة كربلاء وطبيعة النظر إليها، ومن هذه النماذج: "ملاحظات المطهّري على كتاب الشهيد الخالد، ص23"، "تأملات في نسبة قصيدة كربلاء للشريف الرضي، ص36"، "علي شريعتي وظلم الترجمة، ص50".
وبناءً على ما تقدّم: لن تتعرض سلسلة المقالات لهذه المنشورات ونظائرها، فهي لا تقدّم ولا تؤخّر بالنسبة إلى قراءة واقعة كربلاء، وإنما سنتعرّض لبعض النقاط التي تحتاج إلى إيضاحٍ لوضع الأمور في سياقها الصحيح وإخراجها من فضاء المغالطات والتهويلات السخيفة.
الملاحظة الرابعة: إنّ من يعرفُ "ميثاق العسر" يعلمُ أنّ تجربته الحوزويّة السابقة المثقلة بالفشل والخيبات المتوالية لها أثرٌ كبيرٌ في اندفاعه نحو الكتابة للإساءة إلى المذهب الشيعيّ والحوزة العلميّة خصوصاً، ولذلك نرى في ملفّه "التنويري" الذي قام بتجميعه جملةً من العبارات التي تحملُ انفعالاً وتهويلاً وتضخيماً لواقع الأمر، ولا سيّما في المواضع التي تتعلق بالحوزة العلميّة، ومن ذلك قوله (ص10): "فإنّ هذا الأمر سيفتحُ لهم آفاقاً كثيرةً سعت النخب الدينية لأجيالهم السابقة إلى التعتيم عليها.."، وهذا طبعاً من المضحكات المُبكيات، فإنّ ميثاق العسر لما كان "نخبةً دينيّة" لم يؤثر عنه في تاريخه وسجلّه الحوزويّ أيّ سعيٍ في الأمرِ الذي يُطالب به، بل كان موظّفاً في إدارة مكتب أستاذه الحيدري يمارس الكذب والتزوير مراراً، وقد اعترف بنفسه أنّه قام بتسويق مرجعيّة أستاذه رغم علمه بعدم أهليّته من جهة الفقاهة (راجع ما قاله هنا) فمن الذي كان يمارس التعتيم على عامّة الناس؟! وفي ذلك السياق أيضاً قام بتزوير بعض تسجيلات أستاذه ليُخلّصه من تبعاتِ بعض العبارات التي تفوّه بها وسببت له حرجاً في الوسط الحوزويّ، (راجع الموضوع بتمامه هنا)، فمن كان له مثل هذا التاريخ من تسويق رجلٍ كان يقطع بعدم فقاهته، وممارسة التزوير وخديعة عوام الناس ثم يتّهم غيره بذلك فهنا يصدقُ عليه المثل القائل: "رمتني بدائها وانسلّت"، فعلى الأقل من كذبَ وزوّر وخدعَ النّاس عليه أن لا يتّهم غيرَه بما فيه!
ومن ذلك قوله: "هل عمدتم في داخل الأروقة الحوزويّة إلى التفكير الجادّ في كيفيّة الحفاظ على دين الناس وإيمانهم، أم إنّ شغلكم الشاغل في هذه الأيام يتمحض في الطبخ والتحضير لخليفة السيد السيستاني... لا نصدّق بحرصكم وخوفكم على دينِ الناس إلا بعد أن تسحقوا على الأنا الحوزوية المستفحلة في نفوسكم بمختلف الصياغات والوصايات"، وفي الواقع لا نعلم هل فعلَ العسر شيئاً مما يقوله خلال مسيرته الحوزويّة؟! ما نعرفه أنّه كان بوقاً في مكتب أستاذه الحيدريّ، يطبّل له، يزوّق مرجعيته، يجمع المال، ويبني دنياه، ولمّا اختلف معه حول الأمور المالية وغيرها قام بأخذ نصيبه من المال، وانصرف إلى لندن للتشكيك بالتشيع، ومن تكون له مثل هذه السيرة كيف له أن يتصنّع صفة الواعظ المُشفق إلا أن يكون ذئباً؟!
ومع ذلك للمتابع أن يتساءل: ما هو "دين الناس" أصلاً الذي تُظهر نفسك بمظهر المشفق عليه وتريد حفظه؟ فأنتَ لم تُبقِ قولاً بالإمامة ولا أبقيتَ حرمةً للقرآن والنبوّة، وقد انجررتَ إلى مقولاتٍ لا تبقي للتقيد بالتعاليم الدينيّة قيمةً، فما هو الدين الذي تدعو للحفاظ عليه؟! لا سيّما وأنك مذ شرعت بالكتابة، وعشرات المتابعين يطالبونك بتقديم البديل الذي ينبغي الاعتقاد والتديُّن به وأنتَ تتجاهلهم. مع أنّ التفكير الماديّ الذي يلائم كل شيءٍ خلا الأديان قد أصبح جلياً في كلماتك.. إذن: لا معنى لمثل هذه المطالبات منه، إلّا أن مرجع ذلك إلى إرادته التشنيع على العلماء، وإلا فهو لا تعلّق له بالتشيّع ومصالحه من قريب أو بعيد.
ومن ذلك أيضاً: تساؤله في (ص68): "لماذا لا يربي المراجع والخطباء الحمام الراعبيّة"، وذلك بعد أن ذكرَ روايات تدل على لعن الحمام الراعبية قتلةَ الحسين عليه السلام والحثّ على اتّخاذها في البيوت.. ولا أدري هل قام العسر بتفتيش بيوت المراجع والخطباء، أم أنّه يريد أن يؤاخذهم على كل صغيرة وكبيرة؟ وأيُّ شيءٍ هذا من التنوير في قراءة كربلاء؟! هذا ونظائره من السّخافات الطفوليّة كفيلٌ بأن يصوّر للقارئ المستوى أو الأفق الذي يفكّر به "العسر"، فهو أسيرٌ لأزمته النفسيّة الحادّة تجاه الحوزة وتجربته السابقة فيها، وكلما أراد أن يحلّق بعيداً بقي مكبلاً بتلك العُقَد النفسيّة العميقة التي لا تكاد تُفارقه! 
إننا نُدرك عمق هذه الأزمة النفسيّة التي سببتها انتكاسةُ تجربته الحوزويّة الفاشلة مع أستاذه "الحيدري"، ولكن من الواضح أنّ على من يريد طرح "بحوث تنويريّة" أن لا يسأل المراجع والخطباء عن تربية الحمام والدجاج والبطّ، وعليه أن ينشغل بما يتعلّق بأصول القضية التي يبحث فيها وما يمسّ جوهرها، أما هذه التفاهات فينبغي أن تُحسب ضمن في باب الفُكاهة!

"مدوّنة: إجابات علميّة".