السبت، 11 يوليو 2020

كلامٌ حول سلخ رأس سيّد الشهداء (عليه السلام)


بسم الله الرحمن الرحيم
كلام حول سلخ رأس سيد الشهداء (عليه السلام)

شُبهة ميثاق العسر للطعن في الشيخ الجواهريّ (رحمه الله)


وفي التعليق على هذه الشبهة، كتبَ الشيخُ إبراهيم جواد في صفحته الشخصيّة:

لا يخفى على منصفٍ أنّ التحقيق والتّتبع له ثمنه، فهو يستهلك كثيراً من الوقت والجهد، وهذا الأمرُ له أهله الذين خاضوا غمار الكتب، ورتعوا بين أوراقها، وانطبعت متونها في عقولهم وقلوبهم، حتى أصبحَ القول بغير نظرٍ ذنباً عظيماً عندهم، يخجلُ منه كل ذي حياءٍ، ولكن في زماننا الحاضر، استغلّ بعض (الفيسبوكيّين) بُعد كثيرٍ من النّاس عن مصادر التحقيق وتتبع الأدلّة فتوهّموا أنّهم قادرون على الكذب والافتراء، وانطلقوا شاهرين سيف التكذيب والإنكار بغير علم، يحرّكهم في ذلك حقدهم على الفقهاء الأتقياء، وغيظ قلوبهم منهم، وامتلكوا من الوقاحة ما يجرّؤهم على نسبة الكذب والافتراء إلى فقهاء عُرفوا بالورع والتقوى. وفي هذا السياق، كتب المتملّقُ المرتزِق بالكذب، ميثاق العسر مشكّكاً فيما ذكره الشيخ الجواهريّ عن سلخ رأس سيد الشهداء (عليه السلام)، متهماً إياه بالعمل في إطار تشريع الكذب، ويا لقلّة الحياء، كيف لمن اعترفَ يوماً بأنّه قام بالكذب والتزوير لصالح مرجعيّة أستاذه المتهاوي في وحل الضلال أن يملك من الجرأة ما يتهم به الثقات الأمناء بالكذب وتشريعه؟ لا نعلم، لعلّه نسي هذه المقالة التي اعترف فيها بالتلاعب ببعض التسجيلات وتزويرها لإخراج أستاذه الحيدريّ من مأزق الإحراج. راجع هذه المقالة: (اضغط هنا).

أمّا بالنسبة لما نُقل عن الشيخ الجواهري، فإنّه قد روى جملةٌ من علمائنا الأعلام رواياتٍ حول تعرض أحد الأنبياء (عليهم السلام) لسلخ فروة رأسه ووجهه، ثم قال في ذلك أنّه يصبر على ما يصيبه تأسّياً بالحسين صلوات الله عليه، وهذه هي الروايات:
١. روى الشيخ ابن قولويه القمّي: (حدثني أبي رحمه الله، قال: حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد جميعاً، عن محمد بن سنان، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إنّ إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) لم يكن إسماعيلُ بن إبراهيم -عليهما السلام- كان نبياً من الأنبياء بعثه الله إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه مَلَكٌ عن الله تبارك وتعالى، فقال: إنّ الله بعثني إليك فمُرني بما شئتَ. فقال: إنّ لي أسوةً بما يُصنع بالحسين عليه السلام).
المصدر: كامل الزيارات، ص١٤٦، رقم الحديث ١٦٠، الباب١٩، ح١.
ورواه الشيخ الصدوق في كتابه: (علل الشرائع، ج١، ص١٠٤، الباب ٦٧، ح٢).

٢. وروى أيضاً: (وحدثني أبي رحمه الله، عن سعد بن عبد الله، عنهما جميعاً، عن محمد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إنّه كان لله رسول نبيّ، سلط عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه، فأتاه رسول من رب العالمين، فقال له: ربك يقرئك السّلام ويقول: قد رأيتَ ما صُنِعَ بك، وقد أمرني بطاعتك، فمرني ما شئت. فقال: يكون لي بالحسين أسوة).
المصدر: كامل الزيارات، ص١٤٧، رقم الحديث١٦١، الباب ١٩، ح٢.
ورواه الشيخ الصدوق في كتابه: (علل الشرائع، ج١، ص ١٠٤، الباب ٦٧، ح٣).
ورواه الشيخ المفيد بإسنادٍ آخر عن سماعة بن مهران في أماليه، المجلس الخامس، ح٧.

٣. وروى أيضاً: (حدثني محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن جدّه علي بن مهزيار، عن محمد بن سنان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) أُخِذَ فسُلِخَتْ فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك، فقال: إنّ الله بعثني إليك فمرني ما شئت. فقال: إنّ لي أسوةً بالحسين بن علي عليه السلام).
المصدر: كامل الزيارات، ص١٤٨، رقم الحديث ١٦٣، الباب١٩، ح٤.

٤. وروى القطب الراونديّ عن الشيخ الصدوق روايةً مسندةً بلفظ مغاير، قال: (وبإسناده في روايةٍ أخرى، قال: إنّ إسماعيل الذي سُمّي «صادق الوعد» ليس هو إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، أخذه قومه فسلخوا جلده، فبعث الله إليه ملكاً فقال له: قد أمرت بالسمع والطاعة لك، فمُر فيهم بما أحببت. فقال: لا، يكون لي بالحسين عليه السلام أسوةً).
المصدر: قصص الأنبياء، ج٢، ص٩، رقم الحديث ٢٦٢.

أقول: الناظرُ في دلالة هذه الأخبار يرى أنّها تدور بين وجهين:
الوجه الأوّل: أنّ المشار إليه في كلام ذلك النبيّ (عليه السلام) هو المواساة في أصل المصيبة لا بنحو تمام أفرادها الجزئيّة، وذلك حاصلٌ بالتعرّض للقتل والجراحات بشكل عام.
الوجه الثاني: أنّ المقصود هو المواساة في تمام الجزئيّات، فهو مواسٍ للإمام الحسين (عليه السلام) في كل جزئيّة حتّى في سلخ فروة رأسه، فيثبت بذلك ما ذهب إليه بعض الأعلام.
فإذا بنينا على الوجه الأوّل لا يمكن الاستدلال بها على وقوع السّلخ بالنسبة لسيد الشهداء (عليه السلام)، أما إذا استظهرنا الوجه الثاني وبنينا عليه فهو مثبتٌ لحدوث السّلخ، وهذا الوجه يُعدّ ضمن الاحتمالات البازرة التي يمكن احتمالها وربّما يُدّعى ظهورها إنْ بنينا على كون تلك العبارة بلحاظ التنزيل من تمام الجهات، والجديرُ بالذّكر أنّ الشيخ جعفر التستريّ قد استدلّ بها على وقوع السّلخ كما ذهب إليه الشيخ الجواهري فقال في حقّ إسماعيل صادق الوعد (عليه السلام): (فهو المتأسّي بالحسين عليه السلام في سلخ فروة الوجه فقط في الجملة)، انظر: الخصائص الحسينيّة، ص٥٠٩.

ويتحصّل مما ذكرناه: أنّه قد اتضح رجحانُ كونِ كلام الشيخ الجواهريّ مستنبَطاً من تلك الروايات، بغضّ النظر عن صحّة النتيجة التي تبنّاها، وإنما الذي نريد تسليط الضوء عليه – وهو المهمّ – أنّ الشيخَ لم يكذب ولم يختلق ولم يبتكر فريةً كما زعم ذلك المتلوّن المنحلّ، فما هو المبرّر لمثل هذا التهجّم الوقح والجسارة البذيئة؟
لقد ظهر بوضوح أنّ هذا (الفيسبوكيّ) ليس وارداً في أجواء فهم الفقهاء واستنباطاتهم، وبسبب ذلك غاب عنه أنّ الشيخ الجواهريّ قد تكلّم معتمداً على المصادر التي يعتمدها أهل العلم والتحقيق، ومع ذلك اتّهمه المرتزق المتلوّن بالكذب، بينما اعتمد هذا الفاجر الأفّاك على جهله وقلّة تفرّغه لمطالعة أحد أهمّ الكتب الأساسيّة في قضيّة مقتل سيد الشهداء (عليه السلام) ككتاب كامل الزيارات للشيخ ابن قولويه القميّ، وحسبُك هذا التفاوت بين أهل العلم وأهل الحقد الجاهلين الذين يفترون على الفقهاء الأمناء الكذبَ ثم يتهجمون عليهم، وقد خيّبَ الله سعيهم وفضح جهلهم، والحمد لله رب العالمين.

• هامش:
يتقطّع القلب وتضطرب الحواسّ لمجرد الحديث عن ذكر احتمال أنهم سلخوا جلد رأس ريحانة رسول الله، وحبيبه، وقلبه، وروحه التي بين جنبيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ابتلينا بمن يريد التسلق للدنيا بتوظيف مظلومية سيد الشهداء عليه السلام وجعلها مادة للتشكيك، وموضعاً للنيل من الخصوم وتصفية الحسابات وتفريغ الأحقاد، نعوذ بالله من اللقمة الحرام وآثارها الوضعيّة.