الجمعة، 10 يوليو 2020

نقض شبهة تحريف الصدوق رواية ابن جندب في سجدة الشّكر


بسم الله الرحمن الرحيم
نقض شبهة تحريف الصدوق رواية ابن جندب في سجدة الشّكر

بقلم الشيخ: محمّد البحرانيّ.

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين، أما بعد:-
كتب ميثاق العسر - نزيلُ لندن - مقالاً بعنوان (ضحايا الصدوق وضحايا الصدق) حاول أن يُبرز فيه ما يؤيد مزاعمه بشأن دعوى قيام الشيخ الصدوق (رحمه الله) بتحريف بعض الروايات، وفي هذا المقال سوف نشيرُ إلى تقرير هذه الشبهة والجواب عليها ببيان بعض النكات العلميّة إن شاء الله تعالى.

أولاً: تقرير الإشكال.
[1] روى الشيخ الكلينيّ: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن جندب، قال: سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عمّا أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال: قل وأنت ساجد: «اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك الله ربي، والإسلام ديني، ومحمداً نبيي، وعلياً وفلاناً وفلاناً - إلى آخرهم - أئمتي بهم أتولى ومن عدوهم أتبرأ..إلخ) (1).
[2] ونقل الشيخ الطوسيّ هذه الرواية بهذا النحو في كتابه (تهذيب الأحكام)(2).
وظاهر هذه الرواية عند الكليني والشيخ أنّها لم يُذكر فيه أسماء الأئمة جميعهم ولا سيّما المتأخرين منهم (عليهم السلام).
ولكن اللافت للنظر أنّ الشيخ الصدوق حينما أورد هذه الرواية في كتابه (من لا يحضره الفقيه) ذكرها بهذا النحو: (تقول في سجدة الشكر: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك إنك أنت الله ربي، والإسلام ديني، ومحمداً نبيي، وعلياً والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن بن علي أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ..إلخ)(3)، وهذا يعني أنّ الشيخ الصدوق قام بالتصرّف في متن الرواية وأضاف إليه أسماء الأئمة المتأخرين، فهذا تحريفٌ منه للروايات لصالح مسلكه العقائديّ الذي تبنّاه.
وكذلك مما ينبغي أن يُلاحظ أنّ الشيخ الطوسيّ قام بذكر النصّ بالنحو الذي سرده الشيخ الصدوق في كتاب (مصباح المتهجّد)(4)، فأورد فيه أسماء الأئمة المتأخّرين.

ثانياً: تبصرة وإضاءة.
ولعلّك تظنُّ أيّها القارئ الكريم أنّ (ميثاق العسر) من أهل البحث والتحقيق، وقد تعقّب تراث الصدوق باستيعابٍ ليخرج بهذه النتيجة، ولكن يزول عنك هذا الظنّ بمجرّد أن تعلم أنّه سارقٌ متطفّل على كتاباتِ غيره، ويبدو أنّ معاشرته لأستاذه سيّئ الخُلق كمال الحيدريّ قد أوقعتُه في التلبّس بهذه الخصلة من حبّ التطفل والعيلولة على أبحاث الآخرين. وفي الواقع، إنَّ هذا الإشكال مأخوذ من كتابٍ لسلفيّ وهابيّ اسمه (فريد البحرينيّ)، انظر: تحريفات الصدوق، ص38-39، الناشر: مكتبة الرضوان-البحيرة/جمهورية مصر العربيّة، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 2018م.
وهكذا ديدنه في كثيرٍ من الإشكالات التي ذكرها سابقاً؛ فقد كان فيها مجرّد صحفيّ يقوم بإعادة تدوير تلك الإشكالات بقلمه، وإلا فليس له في بحثها نصيب، ومن كان ديدنُه التطفّل على أبحاث الوهابيّة وغيرهم لن يغيّر عادتَه بسهولةٍ.


ثالثاً: الجواب على الشبهة.
إنّ اتّهام الشيخ الصدوق بهذه التهمة ناتجٌ عن عدم فهم طريقة الشيخ في تصانيفه المتعددة، وبشكل أدقّ: ناتجٌ عن عدم فهم الفارق بين منهجه في كتاب (من لا يحضره الفقيه) ومنهجه في سائر كتبه الحديثيّة، ولبيان هذا الفرق نقول: مما لا شكّ فيه أنّ من وظيفة المحدِّث أن ينقل الأحاديث التي يرويها كما هي بأمانةٍ من دون أن يتصرّف في متنها تصرفاً مُخِلّاً يوجب تحريفاً لمدلول الحديث أو إبهاماً وما شاكل ذلك، وهذا هو ديدنُ الشيخ الصدوق في كتبه الحديثيّة، إلّا أنّ الخطأ الذي وقع فيه المستشكلون على الشيخ أنّهم تعاملوا مع كتاب (من لا يحضره الفقيه) على أنّه كتابٌ حديثيٌّ دون أن يلحظوا الحيثيّات والخصوصيّات الأخرى فيه. نعم؛ هذا الكتاب يتضمّن آلاف الأحاديث المرويّة عن المعصومين (عليهم السلام)، ولكنّه لا يُعتبر كسائر الكتب الأخرى التي تمحّضت هويّتها في نقل الحديث فقط، بل هناك جملة من الخصوصيّات التي أثّرت على طريقة صياغة الكتاب ومحتوياته، ومن ذلك:
الخصوصيّة الأولى: أنّ الكتاب هو عبارةٌ عن مصنَّفٍ ألّفه الشيخ الصدوق وفقاً لمبانيه وآرائه العقائديّة والفقهيّة، فقد قال في مقدّمته: (ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي - تقدّس ذكره وتعالت قدرته-)، وهذا يجوّز له – بناء على القول بالتبعيض في الحجيّة – أن يزيل بعض الفقرات التي يراها مفتقرةً إلى قرائن الوثوق، كما يسوّغ له الشرح والبيان، ولذلك عُرفت روايات كتابه هذا بوقوع مشكلة الإدراج فيها وعدم تمييز ما أدرجه الشيخ في بعض المواضع، فكأنّ الكتاب أقربُ إلى المزج بين الرواية وفَهْمِ الشيخ لها من سائر القرائن الأخرى. ولذلك لا معنى للإشكال على الشيخ إذا قام بحذف بعض الفقرات التي يراها مُشكلةً وغير موثوقة أو أدرج بعض البيانات الإيضاحيّة اعتماداً على القرائن الموثوقة عنده؛ لأنّه أراد أن يذكر في كتابه ما يراه حجّة عنده، ولم يجعل الكتاب لنقل الرواية بشكل محض، وإنما أراد أن يُقدّم عرضاً لما يراه حُجّة من الروايات وفقاً لمبناه واختياره، فأضاف من البيان والتفسير ما يوضِّح قولَه وفتواه، وهذا المقدار من الإدراج لا يوجب رفع اليد عن الاعتماد على روايات الكتاب، فإنّ تمييز ذلك متيسّر لذوي الخبرة بالحديث.
الخصوصيّة الثانية: إنّنا نعلم أنّ هناك كُتباً صُنّفت لنقل الحديث دون أيّ تصرّف زائد، وهذه نُسمّيها بـ«كتب الرواية»، وأنّ هناك كُتباً لم تصنّف لنقل الحديث لأهله من عالمٍ ومُتعلّم، وإنما صُنِّفت للعمل لتكون بين يديّ عامّة الناس للاستفادة العمليّة منها ولا سيّما كتب الفقه والأدعيّة، وهذه نسمّيها بـ«كتب العمل»، ومنهج المحدّثين الثقات في تصنيف «كتب الرواية» قائم على نقل الرواية بحذافيرها دون أيّ تصرّفٍ يوجب اختلالاً أو تشويشاً، ولكنّهم في «كتب العمل» يقومون بالتصرّف في المتن بإضافة زياداتٍ إيضاحيّة تسهيلاً على المتفقّه أو المتعبّد بما تقتضيه طبيعة الحال، ومن هذه الكتب كتاب (من لا يحضره الفقيه)، فإنّه بلحاظ ما ذكرناه ليس من القسم الأوّل «كتب الرواية»، وإنما هو من القسم الثاني «كتب العمل» ولذلك نلحظُ هذه الزيادات الإيضاحيّة فیه.
ويدلُّك على هذه التفريق بين المنهجين أنّ المستشكل قد ذكر شاهداً مؤيّداً لما نقوله – وهو عليه لا له لو كان من أهل التأمّل والفهم – فقد أشار إلى أنّ الشيخ الطوسيّ ذكر الرواية في كتابه (تهذيب الأحكام) بدون ذكر أسماء الأئمّة (عليهم السلام)، أي أنّه لم يتصرّف تصرفاً مُخلّاً ولم يقم بإضافة أيّ زيادة، وهذا لأنّ كتاب التهذيب من «كتب الرواية»، وفي نفس الوقت أشار إلى نَقْل الشيخ الطوسي للرواية نفسها في كتابه (مصباح المتهجّد) وقام بالتصرّف في متنها بذكر أسماء سائر الأئمة (عليهم السلام)، وهذا لأنّ كتاب المصباح من كتب العمل، وفي هذا المقام، هل سيقول إنّ الطوسيّ في تهذيبه أمينٌ في نقله، وفي مصباحه محرّف للرواية؟!
وهذا التفريق بين منهجَيْ تأليف كتب الرواية وكتب العمل ملحوظ في كتب العلماء المحدّثين، وتوجد نماذج متعددة لذلك نذكر منها:
النموذج الأوَّل: وهو تطبيقٌ يُظهِرُ الفرق بين المنهجين بملاحظة عمل السيّد ابن طاوس (رحمه الله)، فقد روى الكلينيّ: (محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين (عليه السلام) قال: تُكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال وفي الشهر كله وكيف أمكنك ومتى حضرك من دهرك تقول بعد تحميد الله تبارك وتعالى والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم كن لوليك فلان بن فلان في هذه الساعة، وفي كل ساعة وليّاً وحافظاً وناصراً ودليلاً وقائداً وعوناً وعَيْناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً)(5)، وقد ذكر السيّد ابن طاوس هذا الدعاء في كتابه (الإقبال) بهذا اللفظ: (وكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائماً وقاعداً وعلى كل حال، والشهر كله، وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله عليهم السلام: اللهم كن لوليك، القائم بأمرك، الحجة محمد بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام في هذه الساعة وفي كل ساعة..إلخ)(6)، فتلاحظ أنّه قام بالتطبيق والبيان عبر إضافة هذه الزيادة الإيضاحيّة.
وهنا يظهرُ الفارق، فإنّ كتاب (الكافي) للكلينيّ من «كتب الرواية»، بينما كتاب «الإقبال» له جنبةٌ عمليّةٌ، وليس كتاباً لنقل الأحاديث وسردها فقط، بل هو من الكتب التي صُنّفت للعمل، ولذلك يُتاح للمصنّف أن يقوم بالإضافة والبيان تسهيلاً على العامِل من متفقّه أو متعبّد.
النموذج الثاني: وهو تطبيق للتفريق بين المنهجين المذكورين عند العلامة المجلسيّ. فقد روى في بحاره نقلاً عن الكافي: (...، عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السراج، قالا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال، وأربعاً من النساء: فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ ومعاوية –ويسمِّيهم-، وفلانة وفلانة وهند وأم الحكم أخت معاوية)(7)، وهذا النقلُ مطابق لما في الكافي الشريف من عدم ذِكر المراد بـ(فلان وفلان) و(فلانة وفلانة)، وهذا لأنّ (بحار الأنوار) من «كتب الرواية»، فلا تصرّفَ ولا زيادة، ولكنّه لما ألّف كتابه «مقباس المصابيح» - وقد ألّفه بعد تأليف البحار- ذكر هذه الرواية بعينها وقام بالتصريح بأسماء المُبهمين بـ(فلان) و(فلانة)(8)، وهذا لأنّ كتاب المقباس ليس من كتب الرواية وإنما هو كتب العمل.
فهذه ثلاثة نماذج عن ثلاثة من المحدّثين: الطوسيّ، ابن طاوس، المجلسيّ، وقد لاحظنا طريقة عملهم في تصنيف كتب العمل وكيف كان منهجهم قائماً على التصرّف وإضافة الزيادات الإيضاحيّة بهدف التسهيل والبيان، خلافاً لما هو المتعارف عليه في تصنيف كتب الحديث من الالتزام بالنقل بضبط وإتقان.
إذا اتضح هذا، فإنّ تصرّف الشيخ الصدوق في كتاب (من لا يحضره الفقيه) قد جاء جرياً على منهج تصنيف كتب العمل، خلافاً للمنهج المعمول به في تصنيف كتب الحديث، ومنشأ الخطأ أنّ المستشكلين أرادوا محاكمته بناءً على أنّ كتابه هو كتابٌ حديثيّ متمحّض في نقل الرواية فقط، وهو خلاف ما عرفتَ. بل وأكثر من ذلك، إنّ جُلّ ما يُستشكل به على الشيخ الصدوق ناظرٌ إلى تصرّفاته في كتاب (من لا يحضره الفقيه)، وهو كتاب ذو خصوصيّتين -كما أسلفنا - تخرجانه عن حيّز كتب الحديث المحضة وتجعلانه في كتب العمل المقيّدة بقيد الصحّة والاعتبار، ولجهل المستشكلين بهذه النكات المتعلّقة بخصوصيّات الكتاب عاملوه كما لو أنّه كتاب حديثيّ يهتمّ بنقل الحديث فقط دون أن يعبّر عن اختيارات المؤلّف ومبانيه، ودون التفاتٍ إلى المقاصد العمليّة التي استلزمت الإدراج والإضافات الإيضاحيّة.

فإنْ قِيْلَ: إنّ إثبات تصرّف الصدوق في بعض الروايات يُثبت مطلوبَنا في التوقّف في ما تفرّد بروايته؛ لاحتمال أنّ بعض ما فيها من تصرّفه البياني والإيضاحيّ.
قلنا: إنّ ما قدّمناه في الجوابِ لا يُثبت مطلوبَ المستشكل بهذا النحو، فإنّه يريد أن يُلزمنا بالتوقّف في كافّة متفرّدات الصدوق في جميع كتبه، وما ذكرناه آنفاً يتعلّق بكتابه الفتوائيّ (من لا يحضره الفقيه) فقط، ولا ينطبق على سائر كتبه الروائيّة، فما الدليل على تَسرية الحُكم إلى سائر كتبه التي لم يثبت أنّها زاد فيها بياناته الإيضاحيّة بالنحو الذي طبّقه في كتاب (من لا يحضره الفقيه)؟!
وأما بالنسبة لروايات كتابه (من لا يحضره الفقيه) فإنّ المشكّك لم يأتِ بجديدٍ في هذا الباب، حيثُ إنّ الفقهاء ملتفتون إلى مسألة الإدراج الإيضاحيّ أو التطبيقيّ في بعض روايات الفقيه، ويلحظون ما يحتملون فيه ذلك خلال استنباطهم، وربما استثنوا بعض المقاطع التي يُرجّحون كونها من تفسير الصدوق وتطبيقه على المورد، والأمر لا يُشكّل عائقاً أمامهم، ومن النماذج التي تبيّن التفات الفقهاء إلى مسألة الإدراج البيانيّ ومعالجتها خلال البحث الفقهيّ:
[1] ما قاله الشيخ محمد تقي المجلسي في تعليقه على رواية لفظها: (وما من سفرٍ أبلغ في لحمٍ ولا دمٍ ولا جلدٍ ولا شعرٍ من سفر مكّة، وما من أحد يبلغه حتى تلحقه المشقّة، وإن ثوابه على قدر مشقته)، قال رحمه الله: («وما من سفرٍ...إلخ» رواه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من سفر أبلغ (أي أسعى) في ذوبان لحم ولا دم ولا جلد ولا شعر من سفر مكة وما أحد يبلغه حتى تناله المشقة، وأن ثوابه على قدر المشقّة»، وكأنَّ الزيادة من الصدوق..إلخ)(9)، ويقصد بذلك: الزيادة في ذيل الحديث (وأن ثوابه..إلخ).
[2] ما قاله السيد محمد جواد العامليّ في (مفتاح الكرامة): (وروى في «الوسائل» عن الصدوق أنّه روى بإسناده عن ابن فضّال عن ابن رباط عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطّيخ والفواكه يوم إلى الليل. والظاهر أنّها زيادة من الصدوق وإلاّ فالشيخ قد روى ذلك الحديث بالإسناد المذكور من دون الزيادة المذكورة، والرواية وإن كانت مرسلة لكنّ عليها فتوى الشيخ وأتباعه..إلخ) (10).
[3] ما قاله الشيخ الأنصاري في مكاسبه: (ويشهد له قول علي بن الحسين عليهما السلام في مرسلة الفقيه الآتية في الجارية التي لها صوت: "لا بأس لو اشتريتها فذكَّرتْكَ الجنة، يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء"، ولو جُعِلَ التفسير من الصدوق دلًّ على الاستعمال أيضاً) (11).
[4] ما قاله السيّد محمد الروحاني: (والذي نستند إليه في التوقف عن العمل برواية الصدوق (رحمه الله) هو وجهان، الوجه الأول: الوثوق أو قوة احتمال كون كلمة: "في الإسلام" زيادة من الصدوق لا قولاً للنبي – صلى الله عليه وآله -)(12).
وبذلك ترى أنّ الفُقهاء لا يجدون حرجاً في التوقّف في العبارات التي يطمئنون أنها من تفسير الصدوق وتطبيقه، والأمرُ يجري في الروايات العقائديّة كذلك.
ويتحصّل مما ذكرناه:
1. أنّ كتاب (من لا يحضره الفقيه) ليس كتاباً روائياً محضاً، ولا يمكن محاكمته كسائر الكُتب الحديثيّة الأخرى، بل هو كتابٌ فتوائيٌّ يعبّر عن فقه الشيخ الصدوق.
2. إنّ هذا الكتاب يمثّل آراء الشيخ ومبانيه العلميّة، ولذلك قام بالبيان والتفسير والتطبيق خلال ذكر الأخبار لإبراز أفكاره وفقاً لما يعتقد أنّه حُجّة بينه وبين الله كما ذكر في مقدمة كتابه.
3. لهذا الكتاب جنبة عمليّة استدعت إدراج الزيادات الإيضاحيّة في بعض الروايات، تطبيقاً لما ثبت من الحجج والأدلّة عند الشيخ الصدوق (رحمه الله)، حيثُ إنّ الكتاب يمثّل ما يعتقد أنه حجّة وبرهان.
4. إنّ مسألة الزيادات الإيضاحيّة مأخوذة بعين الاعتبار عند الفقهاء عند التعامل مع كتاب (من لا يحضره الفقيه) لمعالجة كلّ موردٍ بحسبه، وليست اكتشافاً خطيراً من قِبل المشككين في التراث الشيعيّ الذي يعلوهُ نورُ آل مُحمَّدٍ (عليهم السلام)، وهذه المشكلة مع الالتفات إليها لم تصرِف الفقهاء عن الاعتداد بروايات الشيخ الصدوق في هذا الكتاب وغيره.
(تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَسَادًا والعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

______________
(1) الكافي، ج6، ص181، رقم الحديث 5040، كتاب الصلاة، باب السجود والتسبيح والدعاء فيه في الفرائض..، ح17.
(2) تهذيب الأحكام، ج2، ص118، رقم الحديث 416.
(3) من لا يحضره الفقيه، ج1، ص329، رقم الحديث 967، باب [47]: سجدة الشكر والقول فيها، ح1.
(4) مصباح المتهجد، ص238-239.
(5) الكافي، ج7، ص635-636، رقم الحديث 6634، كتاب الصيام، باب الدعاء في العشر الأواخر..، ح4.
(6) الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يُعمل مرة في السنة، ج1، ص191.
(7) بحار الأنوار، ج22، ص128.
(8) في هذا المورد، راجعنا نسخة خطيّة لـ«مقباس المصابيح» محفوظةٌ في مركز إحياء التراث الإسلامي في قم المقدسة، رقمها (3447)، وقع الفراغ من نسخها في العاشر من ربيع الأول سنة (1110) هجريّة - أي قبل وفاة المصنّف -، عدد أوراقها (230) ورقة، عدد الأسطر (13) سطراً، مقاسها (18.5×12)، وهي نسخةٌ جيّدةٌ كُتبت بإتقانٍ، وعليها علامات التصحيح. وكذا في بعض النسخ الأخرى.
(9) روضة المتقين، ج7، ص147.
(10) مفتاح الكرامة، ج14، ص268-269.
(11) المكاسب، ج1، ص287.
(12) منتقى الأصول (تقرير السيد عبد الصاحب الحكيم)، ج5، ص384.