الثلاثاء، 12 فبراير 2019

[4] مغالطات في شأن الإمامة «1»

بسم الله الرحمن الرحیم
مغالطات في شأن الإمامة [١]


بقلم الشيخ: محمد جاسم.

طلب مني بعض الأخوة الكتابة بخصوص ما ينشره بعض المتحدّثين حول إمامة الأئمة (علیهم السلام)، ورغم أنّي نشرت سابقاً حول هذا الموضوع لكن لا بأس بالإشارة إلى بعض المسائل الأخرى، ولمّا كان العمر أقصر وأثمن من أن يُصرف في تتبع كلّ شبهة رأيت أنّ الأفضل التعرض إلى الملاحظات المنهجية العامّة التي تكون أنفع من الإجابة عن منشور أو منشورين وتعين القارئ على العثور على مصاديق وأمثلة متعددة لها في المنشورات المختلفة ومن قبل الأشخاص المختلفين أيضاً.. وعلى الله التوكل.

١. انعدام منهج الإثبات التاريخي.

إنّ أيّ باحث تاريخي (وأعني من يبحث عن قضية وقعت في الزمان الماضي سواء كانت واقعة أو مقولة أو غير ذلك) لا بدّ أن يحدد في المرتبة الأولى منهجاً لإثبات الواقع، وإلّا فإنّه سيتورّط بالمزاجية والانتقائية، ولا يمكنه الوصول إلى نتائج موضوعية سليمة.
فعلى سبيل المثال: إذا شككنا في رأي الشيخ الأنصاري في الحكم الشرعي لأمر معيّن واحتملنا أنّه يذهب إلى الوجوب أو الاستحباب أو الجواز فيها، فلا يمكن الوصول إلى رأيه دون الإجابة عن سؤال: (ما الطريق لإثبات رأي الشيخ الأنصاري في مسألة من المسائل؟)، فالإجابة عن هذا السؤال تمثّل القاعدة الأساسية والمنهج الذي يوصلنا إلى رأي الشيخ الأنصاري في هذه المسألة وغيرها. وهنا نقول في الجواب مثلاً: إنّ الشيخ يذهب إلى الاستحباب لأنّه ذكر ذلك في كتاب المكاسب، ونسبة كتاب المكاسب ثابتة إليه بالنسخ الخطية المتعددة.

كذلك الحال في أقوال الأئمة (علیهم السلام) واعتقادات أصحابهم والأحداث التي وقعت في عصرهم، لا بدّ من السؤال أولاً عند البحث في شأنها: (ما الطريق لإثبات شيء من ذلك؟). يجيب العلماء هنا إجابة منطقية واضحة، وهي: أنّ ذلك يكون بالنظر إلى الأخبار والروايات المنقولة في هذه المسألة والنظر إلى أسانيدها، فإذا وجد خبر رجاله ثقات فهذا له قيمة معينة، وإذا وجد خبر فيه ضعفاء فله قيمة أدنى، وإذا وجد عدة أخبار فلها قيمة أكبر، وهكذا.

ثمّ إنّ بعض المشككين في شأن الإمامة لمّا عرف أنّ هذا المنهج يثبت بلا ريب إمامة الأئمّة (علیهم السلام) وولادة المهدي (عليه السلام)، إذ لا يمكن دعوى أنّ مئات الروايات الواردة في المسألة لا تثبت واقعة وفق هذا المنهج، اضطر إلى عدم الاعتراف بالموازين المتّبعة في ملاحظة أسانيد الأخبار، فبقي خلواً من منهج يثبت الوقائع، وأصبح ينتقي ما شاء من الروايات ويقود متّبعيه إلى ما يعجبه منها من غير دليل موضوعي على ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أنّه ـ بعد أن التفت إلى هذا الإشكال ـ جاء مؤخراً بمنهج سمّاه المنهج التاريخي، ومفاده: أنّ الرواية لا بدّ أن تتوافق مع الحقائق التاريخية حتى يمكن قبولها (ولمّا كانت روايات النصّ على الأئمة لا تتوافق مع حقيقة تاريخية وهي الحيرة، فليست مقبولة).. وهذا ـ كما ترى ـ تفسير للماء بالماء، فمن أين ثبتت الحقائق التاريخية حتى نحاكم بها الروايات؟!

يُتبع ببيان بعض الأمثلة من كلامه إن شاء الله تعالى.