الأربعاء، 27 فبراير 2019

ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الأولى

بقلم الشيخ: محمد جاسم.

كتب ميثاق العسر عدّة مقالات تضمّنت شبهة ملخصها: إن الحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله): «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني» الذي يحتجّ به الشيعة على المخالفين ويستدلون به على مقام الزهراء (عليها السلام) والطعن في ظالميها إنّما ورد بسند صحيح عند العامّة عن صحابي اسمه المسور بن مخرمة في قضية تتضمّن إغضاب أمير المؤمنين (عليه السلام) لها بخطبته لبنت أبي جهل. ولا يمكن الاعتماد على هذه الفقرة من الحديث إلا مع الاعتماد على تطبيقها أيضاً، فإنّنا إمّا أن نقبل من المسور بن مخرمة روايته للأمرين ونعترف أنّ المصداق لهذه الفقرة هو أمير المؤمنين (ع)، وإمّا أن نرفض روايته للأمرين فلا نعتمد على هذه الفقرة ولا نستفيد منها في القضايا المذهبية. هذا بالنسبة إلى رواية المسور بن مخرمة، وأما غير روايته فلم ترد هذه الفقرة بطريق صحيح غير ذلك لا عند العامّة ولا عند الخاصّة، فلا يمكن أن نعتقد بصدورها عن النبي (صلى الله عليه وآله).

وللجواب عن ذلك لا بدّ أن نتحدّث أولاً عن رواية المسور بن مخرمة التي تمثّل الطريق الرئيس لهذا الحديث عند أهل السنة، وثانياً عن الطرق الأخرى لهذا الحديث التي لا تمرّ بالمسور.. فكلامنا يقع في محورين:

(المحور الأول): في حديث المسور بن مخرمة.
وهناك عدّة ملاحظات فيما كتبه المستشكل حول هذا الموضوع..

[الملاحظة الأولى]: إنّ علينا أن نميّز بين بُعدين لهذا الحديث..
١. (البعد الجدلي): ويعني الاستفادة من الحديث في الاحتجاج به على أهل السنّة، ولا يلزم من ذلك أن نعتقد بما ورد في هذه الرواية من التطبيق لهذه الفقرة على أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ فإنّ الاحتجاج هو إلزام الآخر بما ألزم به نفسه وتنبيهه على بطلان عقيدته ببيان التهافت الداخلي في مبانيه، ولا يعني ذلك اعتقادنا بما نلزمه به. فمثلاً: لو فرضنا وجود حديث لدى الشيعة يتضمّن صدور فعل من الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) لا يتناسب مع عصمته واحتجّ المخالف علينا بهذا الحديث لمنافاته لاعتقادنا بالعصمة، فمن الواضح أنّا لا نستطيع أن نقول له إنّ هذا الحديث يتضمّن وجود الإمام المهدي فيلزمك أن تعتقد بوجوده حتى تحتجّ به علينا؛ وذلك لأنّه هو الّذي يلزمنا بما نلتزم به ـ بحسب الفرض ـ لا نحن الذين نلزمه.
٢. (البعد البرهاني): وهو أن نعتقد نحن بصدور هذا الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) ونرتّب عليه بعض عقائدنا. وهذا يتوقّف على أن يثبت عندنا صدور هذا الحديث عن طريق أدلّة ومؤشرات موضوعية، ووجود هذا التطبيق الذي نقطع ببطلانه في حديث المسور سيكون مانعاً لنا عن أن نعتمد على الحديث بهذا السند والطريق "بمفرده ومن غير ضمّ قرائن وطرق أخرى إليه".

وبهذا يظهر لك ما وقع فيه المستشكل من الخطأ في بعض كلماته، فإنّه انتقل من عدم التزام الإمامية بحادثة خطبة بنت أبي جهل إلى عدم إمكان أن يحتجّوا به على المخالفين، وهذا الانتقال ناتج عن الخلط بين البعد الجدلي والبعد البرهاني للحديث. فالصحيح أنّا نستطيع أن نلزم المخالفين بهذا الحديث ونقول لهم أنّ عليكم أن تلتزموا بأنّ الله ورسوله غاضبان على من ماتت الزهراء (عليها السلام) غاضبة عليهم، وأمّا أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو وإن أغضب الزهراء ـ بحسب حديثكم هذا ـ إلا أنه تراجّع عن ذلك ورضيت عنه الزهراء، فهو ليس مصداقاً لهذا الحديث عندكم؛ إذ الأمور بخواتيمها.

يتبع..