الثلاثاء، 12 فبراير 2019

[9] مغالطات في شأن الإمامة «6»

بسم الله الرحمن الرحيم
مغالطات في شأن الإمامة [٦]


بقلم الشيخ: محمد جاسم.


تقدّم أنّ بعض المشككين في شأن الإمامة شكّك في اعتقاد أبناء زرارة بإمامة الكاظم (عليه السلام) مستدلاً على أنّهم لم يرووا عنه (عليه السلام). وركّز في منشور آخر له على عبيد بن زرارة لمكانته الخاصّة؛ إذ تقدّم أنّ غيره من أبناء زرارة لم يكن من الفقهاء المعروفين والمكثرين في الحديث. وهنا ينبغي التنبيه على نقطة مهمة تمثّل شاهداً آخر على ما أشرت إليه سابقاً التهافت المنهجي لدى المستشكل، وبيان ذلك:

أنّا لو سلّمنا بأنّ عبيد بن زرارة لم يرو عن الإمام الكاظم (عليه السلام) رغم حياته وصحته وتوفر الظروف الملائمة، وسلّمنا بحيرة زرارة، وسلّمنا أيضاً بحيرة كبار أصحاب الإمام الصادق (ع) ـ والتي يعتقد المستشكل أنّها حقيقة تاريخية لنصّ مؤرخي تلك الفترة عليها ـ ، فمع ذلك لا يمكن القبول بعدم اعتقاد عبيد بن زرارة بإمامة الكاظم (عليه السلام) اعتماداً على ما يلتزم به المستشكل نفسه، وذلك لسببين..

[الأول]:
١ـ إنّ عبيد بن زرارة شخصية شيعية معروفة ومن وجوه أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) والمكثرين في الحديث عنه، وهذا ما اعترف به المستشكل وانطلق منه في تشكيكه في اعتقاد عبيد بإمامة الكاظم (عليه السلام) حيث قال: (إذا كان عبيد بن زرارة بهذا الحال من الفقاهة والوثوق فلماذا لم تُسجّل لنا كتب الحديث ولا رواية واحدة منه عن الكاظم "ع"؟).

٢ـ إنّ نفس النصوص التي استند عليها المستشكل في إثبات حيرة أصحاب الإمام الصادق (ع) بعد وفاته ـ والتي جعلها المستشكل قطب الرحى وأسقط على أساسها روايات كثيرة ـ بيّنت أنّ أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) آمنوا بإمامة الكاظم (عليه السلام) بعد فترة قصيرة إلا عمار الساباطي وجماعته، وجميع من لم يكن المعتقدين بإمامة الكاظم (عليه السلام) من الرواة قد ورد تسميتهم في الكتب الرجالية.
فكيف يمكن أن لا يذكر أحد أنّ عبيد بن زرارة لم يعتقد بإمامة الكاظم (عليه السلام)؟ وكيف لم يستثنه العلماء من المعتقدين بإمامة الكاظم (عليه السلام) كما استثنوا عمار الساباطي وغيره ممّن هو أدنى رتبة من عبيد من حيث الرواية والفقاهة؟ بل قد ورد في بعض تلك النصوص التي اعتمد عليها المستشكل التنصيص على كون عبيد بن زرارة من المعتقدين بإمامته (عليه السلام) [فرق الشيعة للنوبختي: ١٢٨].

[الثاني]: إنّ روايات حيرة زرارة وإرسال ابنه عبيد بن زرارة إلى المدينة لمعرفة الإمام اللاحق وعودة عبيد بعد وفاة والده ـ والتي سلّم بها الكاتب وهو يحاول هنا الردّ على الرواية المعارضة لها التي تتضمّن معرفة زرارة بالإمام اللاحق ـ تفيدنا بنفسها [بالدلالة المطابقية أو الالتزامية] أنّ عبيداً عاد بخبر إمامة الكاظم (عليه السلام). فكيف يعقل أن لا يكون عبيد معتقداً بإمامة الكاظم (عليه السلام) ثمّ يأتي بخبر إمامته بعد وفاة والده؟ وقد رفض المستشكل نفسه رواية بعض الفطحية للنصّ على الأئمة بدعوى عدم معقولية رواية الفطحي ما يتضمّن إدانته، فالكلام هنا نظير ذلك.
وبما أنّ الكلام قد طال حول هذا الموضوع فإنّي سأكتفي بإجابة مختصرة عن النقطتين الأخريتين.

٣. انتقل الكاتب من عدم رواية أبناء زرارة عن الإمام الكاظم (عليه السلام) وتمنّعهم عن ذلك إلى أنّ زرارة لم يوصِ أبناءه بالاستفادة من نمير علم الإمام (عليه السلام). وهذا يبتني على مقدمة هي: (لو كان زرارة أوصى أبناءه بذلك لاستجابوا له)، والواقع يشهد ببطلان هذه المقدمة؛ إذ ليس جميع الأبناء متّبعين لتوصيات لآبائهم.

٤. انتقل الكاتب من عدم توصية زرارة أبناءه بالاستفادة من علوم الإمام الكاظم (عليه السلام) إلى أنّه لم يكن يعلم بإمامته حيث قال: (إذا كان زرارة يعلم بالأمر فهل يُعقل أن يرحل من هذه الدّنيا ولا يحثّ أولاده السّبعة ـ ولو بشكل غير مباشر ـ للاستفادة من نمير علم موسى بن جعفر الكاظم "ع" وهو على فراش الموت؟). والجواب عن هذا السؤال مذكور في بداية منشوره حيث قال: (يصرّ المرحوم الصّدوق استناداً إلى رواية نقلها عن الرّضا "ع" على إنّ زرارة بن أعين كان يعلم بأنّ الإمام بعد الصّادق "ع" هو ولده موسى الكاظم "ع"، ولكنّه لم يكن يملك ضوءاً أخضر للإفصاح عن ذلك)، فإذا كان زرارة لا يملك الضوء الأخضر للإفصاح فكيف يوصي أولاده بها؟ نعم يُستثنى من ذلك عبيد، لضرورة الإفصاح إلى أحد مع عدم قدرة زرارة على الذهاب إلى المدينة بنفسه، والضرورات تقدّر بقدرها.