السبت، 23 فبراير 2019

[18] ميثاق العسر والكذب على السيد الخوئي – الحلقة الثانية


بسم الله الرحمن الرحيم
ميثاق العسر والكذب على السيد الخوئي – الحلقة الثانية

بعد أنّ بيّنا ضعف فهم ميثاق العسر لعبارة السيّد الخوئي في بحثه حول الولاية التشريعيّة، حاول أن يُصلح فساد استدلاله ووهن حُجَّته بتقديم المزيد من الحجج الفاسدة، وقبل أن نُجيب على ما طرحه ينبغي أن نُذكِّر القرَّاء بما يلي:

لقد كان الكلام حول تمامية احتجاج علماء الشيعة بحديث «يؤذيني ما آذاها» على مخالفيهم، وبعد أنّ بيّنا سقوط شبهته في هذا الموضوع بما مرّ في المقالات السابقة، فرَّ ميثاقُ العسر-فرار العبيد- إلى مواضيع أخرى لا ربط لها بأصل البحث، وهكذا تمضي الأيام ليرى المتابع كيف أنّه بدأ بالانسحاب من البحث الأساسيّ، وبدأ بمحاولة صرف أنظار القُرَّاء إلى مسائل فرعيّة، فلماذا يتهرّب من إكمال البحث؟!
إنّ أصل البحث معه كان في حديث «يؤذيني ما آذاها»، وقد انقطع عنه منذ أيامٍ، وصار متشاغلاً بأمورٍ جانبيّة، رغم أنّه وعد متابعيه بالكثير من الوعود لإجابة تساؤلاتهم، فآخر ما كتبه في شأن ذلك الحديث كان في (18) فبراير وإلى اليوم (23) لم يستمرّ البحث فيه، فهل هي أمارةُ الإفلاس؟ أم ماذا؟ ولا سيّما بعدما تبيّن فساد جلّ ما طرحه في مقالاته الأولى والتي أُرغِم على إعادة تدويرها بصورة أخرى، ومع ذلك فنّدناها بما تقدّم من مقالات.

أما بالنسبة إلى محاولة ترقيعه للإشكال على السيّد الخوئي، فجوابه:
1. لقد حاول ميثاق العسر أن يجعل قول السيد الخوئي (ومما يدل على ثبوت الولاية التشريعية..) دالاً على أنّ السيد يستدلُّ برواية الترمذيّ كدليل تامٍّ عنده، وبيّنا أن كلمته إنما هي ناظرة إلى جهة الدلالة المضمونيّة مستندين إلى القرينة التي نقلها العسر نفسه، ومفاد هذه القرينة أنَّ الاستدلال بالرواية يتمّ على فرض تمامية سندها، فدلالة روايةٍ على أمرٍ ما لا تكفي عند الفقهاء للاستدلال بها؛ لأن الحديث ربما يدل على المطلوب ولكنه من حيث إثبات صدوره ضعيفٌ سنداً.
ومما يشهدُ لذلك أيضاً جملة من كلمات السيد الخوئي وهو يتعرَّضُ لبعض الأدلة في بحوثه، فإنّه يعبّرُ بتعبير (يدلُّ) ليشير إلى الدلالة المضمونيّة فقط، ومن ثم يعطف عليها بالكلام في (إثبات الصدور)؛ لأن الاستدلال لا يتم إلا بعد إحراز تمامية الجهتين: الدلالة والصدور.
ومن عباراته المشيرة إلى هذا الأمر:
أولاً: قال في بحثه الفقهي: (وقد دلّت على ذلك صريحاً موثَّقة السكوني ورواية رزيق إلا أنّها لضعفها سنداً غير قابلة للاستدلال بها في المقام. نعم؛ نجعلها مؤيّدةً للمُدَّعى) (1).
ثانياً: وقال أيضاً: (وهذه الرواية وإن كانت تدل على اعتبار الأعلميّة المطلقة في المفتي إلا أنّها ضعيفة سنداً لإرسالها. إذن؛ لا يمكن الاستدلال بها بوجهٍ..) (2).
ثالثاً: وقال أيضاً: (وهذه الرواية دلَّتْ على أنه إنما يقضيهما إلى أن يغتسل للجمعة لأنه يرفع الجنابة فيصح صومه وصلاته، إلا أنها ضعيفة ومن هنا جعلناها مؤيّدة للمُدَّعى) (3).
رابعاً: وقال في معجمه في وصف أحد الرواة: (أقول: ورد في عدة روايات ما يدلّ على حُسنه، ولكنها بأجمعها ضعيفة لا يُعتمد على شيءٍ منها) (4).
خامساً: وقال في معجمه أيضاً: (أقول: هذه الروايات وإن دلّت على جلالة داود الرقي إلا أن جميعها ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها) (5).

أقولُ: وهذه الشواهد تشيرُ بوضوحٍ إلى أنّ مفردة (دلَّ- دلَّت-يدلُّ- تدلُّ) في كلام السيد الخوئي تستعمل للإشارة إلى دلالة المضامين الروائية، ولا يُراد بها محض الاستدلال الإثباتي الشامل لجهتي الدلالة وإثبات الصدور، فهل يمكن الاستناد إلى قوله (يدلّ) لإثبات أنّ الرواية دليلٌ مقبولٌ عنده؟ أم أنه ناظرٌ إلى جهة دلالة الألفاظ فقط؟ وأنّ هذه الدلالة بحاجة إلى متمّمٍ لها وهو (إثبات الصدور)!

2. بعد أن تبيّن أنّ كلمة السيد الخوئي لا تدلّ على اعتماده على رواية الترمذي، حاول ميثاق العسر أن يُعزِّزَ فهمه السقيم بكلامٍ لأحد العلماء الأعاظم (حفظه الله) بمقطع مُسجَّلٍ يذكر فيه تعرّض السيد الخوئي لرواية الترمذي، إلا أنّ محل كلامنا في المقال السابق كان حول عبارة السيّد الخوئي التي نقلها ميثاق العسر من كتاب (التنقيح في شرح المكاسب) الذي قرره الشيخ الشهيد الميرزا علي الغرويّ، أما كلام ذلك الفقيه فهو ناظرٌ إلى كلام السيّد الخوئي في كتاب (مصباح الفقاهة) الذي قرره الشيخ محمد علي التوحيديّ التبريزيّ، والنَّصان في الكتابين مختلفان، إذ إن عبارة التنقيح تحتوي على قرينةٍ واضحةٍ تكشفُ عن عدم كون السيد الخوئي في مقام اعتبارها دليلاً تاماً على مطلوبه، وهذه القرينةُ ليست موجودة في عبارة السيد الخوئي في كتاب (مصباح الفقاهة)، وبالتالي: فالمقطع الصوتي الذي وضعه ميثاق العسر لا يصلح للنقض؛ لاختلاف المنظور إليه عند ذلك الفقيه المجتهد عن المنظور إليه في نقاشنا مع هذا المتخبّط [راجع الوثائق المصوّرة في ذيل المقال].

ومما يبعثُ على التعجُّب أنّه يتحدّى ويتحدّى، وليس في جعبته إلا تكرار كلمة (يدل) بين الحين والآخر، وقد أصبح واضحاً بما لا مزيد عليه أنها لا تفي بمطلوبه، وأوضح من ذلك أنّ استشهاده بكلام ذلك الفقيه لم يكن إلَّا خروجاً عن محلّ النزاع.
وبهذا يتبيّن أنّ مستوى إحاطة العسر بفهم عبارات الفقهاء ضئيلٌ جداً؛ ولعلَّ انشغاله بالصفّقِ في أسواق الارتزاق عند المرجعيّة المصطنعة التي اصطنعها لأستاذه كان مانعاً من اكتساب المهارة في فهم كلمات الفقهاء والمحققين، والله العالم بحقائق الأمور.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التنقيح في شرح العروة الوثقى: موسوعة الإمام الخوئي، ج8، ص155.
(2) التنقيح في شرح العروة الوثقى: موسوعة الإمام الخوئي، ج1، ص117.
(3) التنقيح في شرح العروة الوثقى: موسوعة الإمام الخوئي، ج7، ص61.
(4) معجم رجال الحديث، ج7، ص44.
(5) معجم رجال الحديث، ج8، ص128.


لرؤية الصور بشكل واضح، يُرجى الضغط عليها، ولا سيما للمتصفّح عبر الهاتف المحمول.

كلام السيّد الخوئي في كتابه (التنقيح)، وفي عبارته قرينةٌ على كون كلامه عن الدلالة اللفظية للرواية دون اعتبارها دليلاً، وفي خاتمة الفقرة أشار إلى توقّف الاستدلال بها على تماميّة السند، وهو لم يشر إلى اعتبارها سنداً عنده، أما عبارة كتاب (مصباح الفقاهة) فهي مختلفة عن هذه العبارة، ولا تحتوي على هذه القرائن المبيّنة لمراد السيد الخوئي، فكيف جعلها العسر قرينة على صحّة فهمه لعبارة السيد الخوئي في كتاب التنقيح؟! 

تمسُّكه بعبارة (يدلّ) جهلاً منه بأسلوب السيد الخوئي في تناول الأدلة الفقهيّة.


الأسلوب الفيسبوكيّ المعهود عند الوهابية (لغة التحدّي)، هل هذا يلائم لغة التنوير؟!
وليت ما استعمله في تحدّيه كان ملائماً لإبطال جواب من ردُّوا عليه!

استعمال الأسلوب الوهابي في شتم الشيعة بإطلاق بعض المصطلحات المعهودة في إعلام الوهابية من قبيل (عَبَدة المراجع)، فهل هذه لغة تنويريّة؟! مضافاً إلى الكذب والافتراء على من يقومون بالرد عليه حيث يصفهم بأنّهم تربّوا في أحضان الوهابية، وهو في ذلك كاذبٌ مطلقاً، ويستعمل مثل هذه الادّعاءات لتشويه خصومه، وإلا فهل لديه دليلٌ واحدٌ على ما ادّعاه؟