الأربعاء، 27 فبراير 2019

ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة السادسة

بقلم الشيخ: محمد جاسم.

(المحور الثاني): الطرق الأخرى للحديث.

لقد تضمّن كلام المستشكل ثلاث شبهات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام):
١. عدم إمكان الاحتجاج به على أهل السنة إن رفضنا تطبيقه في شأن أمير المؤمنين (عليه السلام).
٢. الملازمة الموضوعية بين قبول الحديث من طريق المسور وبين قبول تطبيقها؛ لاقتران الحديث بالتطبيق في جميع طرقه.
٣. عدم ثبوت صدور هذا الحديث من النبي (صلى الله عليه وآله).
وقد تقدّم الجواب عن الأمرين الأولين في المحور الأول، والذي يهمنا فعلاً إثبات صدور الحديث ـ وبالتالي إمكان الاستدلال به في المسائل الاعتقادية ـ .
والمنهج الذي نسير عليه هو تتبع أسانيد الحديث واعتبار كلّ سند منها قرينة تصلح للانضمام إلى القرائن والأسانيد الأخرى لتكوّن الوثوق بصدوره وفق منطق حساب الاحتمالات، وعليه فلا يهمنا كثيراً إثبات الصحة السندية بعد أن كان ما نبتغيه أقوى من الناحية الاحتمالية من مجرد ثبوت الحديث بسند واحد صحيح.

[الطريق الأول]: رواية الحسين بن زيد عن عمر بن علي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي (عليهم السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة: «إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» [الآحاد والمثاني: ج٥ ص٣٦٣، المستدرك على الصحيحين: ج٣ ص١٥٣، الأمالي للصدوق: ص٤٦٧].

ولا نطيل الكلام بالتعرّض لما أورده المستشكل بشأن سند الحديث لأنّا لا نريد الاحتجاج به على أهل السنة إذ يكفينا حديث المسور الصحيح عندهم في الاحتجاج، كما لا نريد الاستدلال به منفرداً لضعف سنده عندنا، وإنّما ننظر إليه كقرينة من القرائن التي تعين على إثبات صدور الحديث. وقد ذكر المستشكل إشكالاً على الاعتماد على هذا الحديث هو أقرب بالطرفة و"النكتة" منه إلى الإشكال العلمي الذي يستحق أن يُنظر فيه، لكن لا بأس بالتعرّض له لتوضيح ما بلغه المستشكل من المغالطة والتهافت في كلامه [لاحظ الصورة المرفقة].

أولاً: إن مجرد اشتراك حديثين في راوٍ من رواة سلسلة السند لا يشكل قرينة على اتحاد الواقعتين المرويتين، وهذا من الأمور الواضحة.

ثانياً: حينما نسأل المستشكل ما هو رأيك برواية المسور التي تربط هذا الحديث بقضية خطبة الزهراء (عليها السلام) يجيب بما نصّه: (والظاهر وهذا احتمال سنفحص جدوائيّته المعرفيّة لاحقاً: إنّ الهدف من رواية هذه الرّواية في صحاح أهل السنّة هو الحطّ من مقام عليّ "ع")، ويقول أيضاً: (نحن نرفض صدور هذا الحديث من النبي "ص".. لأسباب رجالية).
وحينما نسأله بعد ذلك من هو المتهم عندك في وضع هذا الحديث؟ يجيب بأنّه يرفض الرواية من منطلقات رجالية تتعلّق بالمسور بن مخرمة.
فإذا كان المستشكل يرفض الحديث لوجود المسور بن مخرمة فيه فكيف يجعل هذه الحادثة المرفوضة عنده مفسرة لسياق هذا الحديث؟ وكيف يقول أنّا نحتمل أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يتحدّث عن نفس الواقعة التي رواها المسور مع أنّ المفروض أنّ المسور لم يروِ واقعة حقيقية؟
وبعبارة أوضح: إنّ المستشكل لا يرضى حديث المسور ويستظهر أنّه مجعول للحطّ من مقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم يقول إنّ رواية أمير المؤمنين عن النبي (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» لو صحّت فهي تحكي عن نفس الواقعة التي رواها المسور والتي هي مجعولة للحط من مقامه هو!

ثالثاً: من أين علم المستشكل أن الإمام السجاد (عليه السلام) قد روى الصيغة المشهورة للحديث التي تتضمّن إغاظة علي (عليه السلام) للزهراء (عليها السلام) مع أنّه لم ينقل ذلك عنه أحد إلا الزهري راوي البلاط الأموي؟ فهل المستشكل ـ الذي يرفض عشرات الروايات التي لا تناسب ذوقه ـ يقبل رواية واحدة ينفرد بنقلها الزهري؟