الثلاثاء، 12 فبراير 2019

[5] مغالطات في شأن الإمامة «2»

بسم الله الرحمن الرحيم
مغالطات في شأن الإمامة [٢]


بقلم الشيخ: محمد جاسم.

تقدّمت الإشارة إلى أنَّ بعض المشككين في الإمام لم يلتزم بمنهج للإثبات التاريخي، ممّا أدى إلى أن يكون التزامه ببعض الروايات وتركه للبعض الآخر غير مستند إلى دليل موضوعي.

مثلاً: وردت رواية عن هشام بن سالم تبيّن حيرة أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) بعد وفاته في تعيين الإمام من بعده، وقد ادعى الكاتب أنّ هناك تعارضاً بين هذه الرواية وبين عشرات الروايات التي أثبتت النصّ على الإمام الكاظم (عليه السلام)، فأي الروايات ينبغي أن يُعتمد عليه ـ على فرض التعارض ـ ؟ تظهر هنا أهمية منهج الإثبات لمعرفة أيّ الطرفين يكون مرّجَحاً وفق موازين الإثبات التاريخي، لكن حيث إنّ الكاتب لا يلزم نفسه بمنهج ولا يعبأ بأسانيد الروايات ولا بعددها ارتأى أن يأخذ برواية الحيرة ويدّعي أنّ ما عداها من الروايات لفّقت بعد الوقوع.. [ويمكن لغيره أن يأخذ بروايات النصّ ويدّعي أنّ روايات الحيرة من تلفيق الزيدية!].

ثمّ لمّا كانت رواية هشام بن سالم تتضمّن أموراً لا يلتزم بها المستشكل، فهي تثبت التقية والخوف من جواسيس السلطان (والتقية عنده نظرية ما ورائية غريبة)، كما أنّها تثبت بنفسها إمامة الكاظم (عليه السلام) وإعلامه لهشام بما في نفسه.. لمّا كانت كذلك قال المستشكل أنّ هذه الرواية غير مقبولة عنده وأنّ لديه إشكالات على التماسك الداخلي لها.
وهنا يرد سؤال واضح: كيف أسقطنا عشرات الروايات بهذه الرواية المفتقرة للتماسك الداخلي؟ وهنا ظهر حلّ (خلدوني) جديد، وهو: أنّ مسألة حيرة أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) حقيقة تاريخية نصّ عليها النوبختي والكشي و"خريت هذا الفن" الشيخ الطوسي فإثباتها لا يحتاج إلى رواية هشام.
ولا أدري إن كانت الروايات المسندة غير مقبولة وغير مثبتة للحقيقة التاريخية فكيف أصبحت أقوال العلماء بعد قرن أو قرنين مثبتة لها؟ ومن أين نحرز أنّ هؤلاء لم يعتمدوا على رواية هشام وأمثالها ممّا يفتقر للتماسك الداخلي؟ وإذا كانت أقوال هؤلاء الأعلام ممثلة للحقيقة التاريخية فلماذا لا تكون كذلك في إثبات ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)؟

وهكذا نجد أنّ المستشكل لم يعتمد فيما أثبته أو نفاه على منهجية محددة ممّا أوقعه في نتائج متهافتة بالنظر الموضوعي، وإن كانت متناسقة بالنظر الانتقائي.. ومن خصائص "اللا منهجية" قدرتها على تبرير المذاهب والمسالك المتنوعة؛ لإمكان ستر مختلف الأهواء والمزاجات تحت عباءتها.