الثلاثاء، 12 فبراير 2019

[8] مغالطات في شأن الإمامة «5»

بسم الله الرحمن الرحيم
مغالطات في شأن الإمامة [٥]

بقلم الشيخ: محمد جاسم.


تقدّم أنّ بعض المستشكلين في شأن الإمامة كثر منه الانتقال من بعض المقدمات إلى نتائج مع فقدان الحدّ الأوسط وعدم بيان دليل على هذا الانتقال، ومن أمثلة ذلك ما نشره مؤخراً حول حيرة زرارة. وقد مرّ أنّ كلامه تضمّن أربعة انتقالات غير مستدلة، ولا بأس بالتعرّض إلى حال كلّ واحدة منها:

١. جزم الكاتب بعدم رواية أبناء زرارة ـ عدا واحد لم تثبت روايته ـ عن الإمام الكاظم (علیه السلام)، ودليله على ذلك عدم وجود رواية لهم في كتبنا الحديثية، ومن الواضح أنّ هذا الانتقال لا يكون صحيحاً إلا إذا صحّت مقدمة وهي (إنّ من لم توجد له رواية عن أحد الأئمّة في الكتب الحديثية المتوفرة عندنا فهو لم يرو عن ذلك الإمام)، لكن يلحظ على ذلك..
أولاً: إنّ هذه المقدمة التي يتوقّف عليها الاستدلال غير صحيحة؛ لأنّ ما وصلنا من الأحاديث هو مقدار ضئيل بالقياس إلى المقدار المفقود من تراثنا، فكيف يمكن الحكم بعدم رواية لأبناء زرارة في ذلك المقدار المفقود؟ فمثلاً: ذكروا أنّ لعبد الله بن زرارة كتاباً في الحديث في حين أنّ ما وصلنا من روايات عن عبد الله بن زرارة أقلّ من أصابع اليد الواحدة، فكيف يستطيع المستشكل أن يحكم بأنّ ذلك الكتاب المفقود لم يتضمّن رواية عن الإمام الكاظم (عليه السلام)؟
ثانياً: قد ورد نصّ يؤكد رواية بعض أبناء زرارة عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، وهو ما ذكره النجاشي من أنّ رومي بن زرارة روى عنه (ع) [رجال النجاشي: ١٦٦]، وهذا النصّ هو الذي أوجب تردد المستشكل في رومي، ويكفي التردد والشك في إبطال استدلاله كما هو واضح.

٢. انتقل الكاتب من عدم رواية أبناء زرارة عن الإمام الكاظم (عليه السلام) إلى أنّهم تمنّعوا عن الرواية عنه، وشكك على أساس ذلك في اعتقادهم بامامته. وانتقاله هذا يبتني على مقدمة هي: (إنّ كلّ من لم يرو عن أحد الأئمّة ـ أو كلّ من كان بمنزلة أبناء زرارة من القرب من أجواء الأئمّة ولم يرو ـ فهو متمنّع عن الرواية ويُشكّ في اعتقاده بإمامة ذلك الإمام).
أقول: لو سلّمنا بأنّ أبناء زرارة لم يرووا عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، فما ذكره هنا يرد عليه..
أولاً: لا ملازمة بين عدم رواية شخص عن إمام وبين أنّه تمنّع عن ذلك؛ لأنّ الرواية ليست حرفة يمارسها جميع الناس، بل هناك من الناس من يمارس الرواية والتفقّه على أيدي الأئمّة (عليه السلام) وهناك من لا يقوم بذلك، كما أنّ في الصحابة الكثير ممّن لم يرووا النبي (صلى الله عليه وآله) مع اعتقادهم بنبوته. فهذا الانتقال يشبه أن نستدلّ على عدم اعتقاد شخص بعلمية أو أعلمية مرجع معيّن بعدم حضوره الأبحاث الأصولية لذلك المرجع!.
وإذا لاحظنا حال أولاد زرارة وجدنا أنّ عبيد بن زرارة كان فقيهاً كثير الحديث، ورومي بن زرارة كان قليل الحديث ـ كما نصّ على ذلك النجاشي ـ، وعبد الله بن زرارة له كتاب [وهم الثلاثة الذين نصّ أبو غالب الزراري على روايتهم عن الإمام الكاظم (عليه السلام)]. وأمّا باقي أولاده (وهم: محمد، والحسن، والحسين، ويحيى) فلم يكونوا من المزاولين للرواية، فليس لبعضهم أيّ رواية عن أيّ إمام، ولبعضهم رواية أو روايتان. فذكر المستشكل لهؤلاء الأربعة ليس إلا من قبيل تكثير السواد.
ثانياً: ليس لدينا ما يثبت كون أبناء زرارة أحياء في زمان إمامة الكاظم (عليه السلام) لمدة وافية حتى نقول أنّهم عاصروا الإمام (ع) ولم يرووا عنه، عدا ما أثبت رواية بعضهم عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، فإن بنينا عليها ثبتت الحياة والرواية معاً، وإن لم نعتمد عليها لم يبق ما يثبت ذلك، بل لا مثبت لحياة بعضهم حين وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) فضلاً عمّا بعد ذلك.

يتبع إن شاء الله..