الأربعاء، 27 فبراير 2019

ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظات حول حديث إغضاب الزهراء (عليها السلام) - الحلقة الثانية

بقلم الشيخ: محمد جاسم.

[الملاحظة الثانية]:
ذكر المستشكل أنّ حديث المسور بن مخرمة حديث واحد لراوٍ واحد يتضمّن قصة ورد فيها قول النبي (صلى الله عليه وآله): (من أغضبها فقد أغضبني) وورد فيها تطبيقه في حقّ في أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلا بدّ علينا ـ منطقياً ـ إمّا أن نقبل من المسور بن مخرمة نقله فتثبت عندنا هذه الفقرة وتطبيقها [ونلتزم بأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد خطب بنت أبي جهل وأغضب الزهراء (عليها السلام)] وإمّا أن لا نقبل منه ذلك فلا تثبت عندنا هذه الفقرة ولا تطبيقها [فلا يصحّ أن نستفيد منها في استدلالاتنا المذهبية]. وشنّع كثيراً على العلماء في تفكيكهم بين الأمرين واعتمادهم على الفقرة دون التطبيق.

والصحيح أنّ قبول هذه الفقرة من رواية المسور لا يلزمه ـ من الناحية العلمية والموضوعية ـ القبول بانطباق ذلك في مورد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولتوضيح هذا الأمر ينبغي علينا في البداية أن نلاحظ أسانيد هذا الحديث وصيغه المنقولة عن المسوّر في كتب المخالفين ونلاحظ حال كلّ واحد منها. فأقول: قد روى أهل السنة هذا الحديث بطرق وأسانيد متعددة..

(الطريق الأول): ما رواه محمد بن شهاب الزهري: (أنّ علي بن الحسين [السجّاد عليه السلام] حدّثه أنّهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل الحسين بن علي (رحمة الله عليه) لقية المسور بن مخرمة فقال له:هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له: لا، فقال: فهل أنت معطٍ سيف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه، وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبداً حتى تبلغ نفسي.. إنّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة (عليها السلام)، فسمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ـ وأنا يومئذٍ محتلم ـ فقال: «إنّ فاطمة مني وأنا أتخوّف ان تفتتن في دينها»، ثمّ ذكر صهراً له من بنى عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه قال: «حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي، وإنّي لست أحرم حلالاً ولا أحلّ حراماً ولكن ـ والله ـ لا تجتمع بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبنت عدو الله أبداً») [صحيح البخاري: ج٤ ص٤٧].

وهذه الصيغة لا يستدلّ بها الشيعة على شيء ولا يمكنهم أن يحتجّوا بها على أهل السنة؛ وذلك لأنّها خالية عن فقرة (من أغضبها أغضبني) التي يستدلّون بها على مقام الزهراء (عليها السلام) والقدح في خصومها الذين أغضبوها، حيث تمّ استبدالها بفقرة (وأنا أتخوّف أن تفتتن في دينها).
وكيفما كان فهذا الحديث موضوع بلا ريب؛ لجملة من القرائن الداخلية والخارجية التي لسنا في صدد تفصيلها، فإنّ المستشكل اعترف بوضع هذا الحديث فأغنانا عن الخوض في ذلك.
لكنّ السؤال الذي يهمنا فعلاً: من هو الواضع لهذا الحديث؟ وإذا فتشّنا في سند الرواية نجد أنّ من المؤكد أن الوضع لم يحصل مِن مَن هم قبل محمد بن شهاب الزهري في السند؛ وذلك لأنّ هذا الحديث نقله عن الزهري جمع منهم: ابن حلحلة وشعيب والنعمان ومعمر وعبيد الله بن أبي زياد وغيرهم، فلا يحتمل أنّه لم يصدر عن الزهري وأنّ هؤلاء جميعاً كذبوا عليه، وعلى ذلك فيدور الأمر في وضع الحديث بين رجلين هما: (محمد بن شهاب الزهري) و(المسور بن مخرمة)، والذي نراه أنّ هناك مجموعة من المبررات تدفعنا إلى الاعتقاد بدخالة الزهري في وضع هذا الحديث.

١. إنّا إذا عدنا إلى الحديث وتأمّلنا في متنه سنستكشف مبررات وضعه والاتجاه الذي ينتمي إليه الواضع، فالحديث يقول لنا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) حينما صعد المنبر وذمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ضمّن كلامه ـ ويا للصدفة ـ مدح صهر له من بني عبد شمس [جد بني أمية] وقال أنّه حدّثه فصدق ووعده فوفى!. وهذه المقابلة التي جمعها لنا الواضع تشير إلى أنّه وضع الحديث لصالح بني أمية.
وإذا رجعنا إلى الرجلين اللذيّن احتملنا وضع الحديث من قبل أحدهما وجدنا أنّ المسور بن مخرمة وإن روي عنه تبجيلٌ لمعاوية لكنّه كان على عداء مع يزيد وشهد عليه أنّه يشرب الخمر فأمر يزيد بضربه الحدّ، والتحق بعبد الله بن الزبير وقاتل معه جيش يزيد حتى قُتل، وإذا لاحظنا الحديث وجدناه منقولاً عن المسور بعد عودة الإمام السجاد (عليه السلام) من السبي أي في زمن يزيد بن معاوية، ومن المستبعد أن يضع المسور حديثاً لصالح بني أمية ويخبر به في زمن عدائه لهم.
وأما ابن شهاب الزهري فهو معروف بانحرافه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ومخالطته لسلاطين بني أمية وقد صاحبهم من عبد الملك بن مروان إلى هشام بن عبد الملك، وعليه فمضمون الحديث يشير بأصابع التهمة إلى الزهري لا المسور.

٢. إن كان المسور كاذباً والزهري صادقاً فهذا يعني أنّ الإمام السجاد (عليه السلام) قد نقل عن المسور أكذوبته، وأما إن كان الزهري هو الكاذب فهذا يعني أنّه نسب الحديث إلى الإمام السجاد (عليه السلام) كذباً وأنّ الإمام لم ينقل هذا الحديث أصلاً، ومن البعيد جداً أن يحدّث الإمام السجاد أكذوبة وُضعت في ذمّ جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) ومدح بني أمية وينقلها للآخرين.

٣. إنّ هذا الحديث قد نُقل عن المسور بطرق أخرى لا تمرّ بالزهري ـ كما سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى ـ، وليس فيها الكثير من الإضافات التي نُسبت إليه في هذا الطريق. ولو كان المسور هو الواضع لهذه الصيغة لكان من المفترض أن يكون الحديث الذي رواه عنه الآخرون بنفس هذه الصيغة التي رواها الزهري.

فالنتيجة: إنّ هذه الصيغة مضافاً إلى أنّها ليست الصيغة التي يستدلّ بها الشيعة ويعلقونها في مدنهم [لحذف الفقرة التي يعتمدون عليها منها]، فهي من موضوعات الزهري ولا يصحّ نسبتها إلى المسور، وعليه فإذا أردنا أن نستكشف واقع ما رواه المسور خالياً عن تغييرات الزهري وحذفه وإضافاته فينبغي أن نرجع إلى الطرق الأخرى للحديث، فتابع.