الأربعاء، 20 فبراير 2019

[17] ميثاق العسر والكذب على السيّد الخوئي - الحلقة الأولى


بسم الله الرحمن الرحيم
ميثاق العسر والكذب على السيّد الخوئي - الحلقة الأولى

من الواضح في عملية الاستنباط الفقهي عند السيّد الخوئيّ (رحمه الله) أنه لا يبني حُكماً شرعيَّاً من خلال حُجَّةٍ غير معتبرة عنده، وهو بهذا النّحو يتعامل مع روايات علماء الشيعة، فكيف إذا كانت الرواية من طرق أهل السنة، فإنّ الذي يُخضِعُ روايات الشيعةِ للفحص السنديّ والتمحيص الدلالي، فهو من باب أولى يقوم بذلك بالنسبة إلى روايات أهل السنة، ولا يتعامل معها على أنها حجج مسلَّمة لا نقاش فيها.

ومن هنا: إذا رأينا في كلمات السيد الخوئيّ إشارةً إلى روايات العامّة، فهو يذكرها عَرَضاً من باب الإشارة إلى وجود هذا الحكم عندهم، أو للإشارة إلى وجود مدارك عندهم تؤيّد ما يذهب إليه الإمامية.

وقد حاول ميثاق العسر أن يفتريَ على السيد الخوئي (رحمه الله)، فاتّهمه بأنّه يخلط في بحثه الفقهي بين أدلّة الاستنباط وأدلة الاحتجاج، فزعمَ أنّ السيد الخوئي قد استدلّ بروايةٍ من روايات العامة في بحث الولاية التشريعيّة، وقد بلغت به الجرأة على استحلال الكذب فزعم قائلاً إنَّ (المرحوم الخوئي يوظِّفُها في ميدان بحثه الفقهي العقائديّ الداخلي، ويحاول أن يجعلها أحد الأدلة على ثبوت الولاية التشريعيّة..إلخ)، فيالله والجرأة على التدليس والكذب!

 والحال أنّ السيد لما أورد حججه المُثبتة لهذا الأمر، ذكر رواية الترمذيّ من باب الشاهد التاريخيّ، وغاية ما قاله حول هذه الرواية أنّها من حيث الدلالة تامّة، وأنّها تصلح للاستنباط في حال كان سندها معتبراً، قال السيد: [وهذه الرواية على تقدير تمامية سندها تدلّ على المقصود بأحسن وجه]، ولكن هل يوجد في عبارته ما يدلّ على اعتباره للرواية، وأنها دليلٌ قائم بنفسه في عملية الاستدلال؟

الجواب: لا يوجد تصريحٌ من السيد الخوئي باعتبار هذه الرواية عنده، وغاية ما أشار إليه هو أنّها من حيث الدلالة تامّة، أي أنها من جهة الدلالة تدلّ على إثبات الولاية التشريعية، أما من حيث إثبات صدورها، فهو لم يشر إلى اعتبارها سنداً، بل قال إنها تصلح للاستدلال على تقدير تمامية سندها، أي إذا فرضنا أنّ السند معتبرٌ فهي صالحة وإلّا فلا، والفرق واضحٌ بين التصريح بكونها حجّة وبين التصريح بأنها حجّة إذا ثبت سندها، فيظهرُ جلياً أنّ السيد الخوئي قد علّق صحة الاستدلال بهذه الرواية على ثبوت السند، وهذا السند لا يثبت وفقاً لمبانيه كما هو معلوم.

والجديرُ بالذكر: أنّ ميثاق العسر قد جاء بهذا المقطع من كلام السيد الخوئي وبتره من سياق البحث، فإنّ السيد الخوئي قد استدلّ على ثبوت الولاية التشريعية ببعض آيات القرآن الكريم ومن ثمّ ببعض روايات الإمامية المروية في كتبنا المعتبرة، ما يعني أنّ العمدة في الإثبات لهذا القول هو أدلتنا الشرعيّة، أما رواية العامة فلم يُثبتها السيد الخوئي، وليتَ الكذّاب المدلّس يأتي بكلام السيد الخوئي في تصحيح سند هذه الرواية أو ما يشير إلى اعتبارها عنده.

وهنا ينبغي الإلفات إلى أمرٍ: وهو أنّ ميثاق العسر قد جاء بهذا الشاهد ليثبّت مزاعمه بأنّ علماء الإمامية لا يميّزون بين ما هو للاحتجاج وما هو للاستدلال، وأنّ هذا التفريق والتمييز لا يدّعيه سوى [صغار الطلبة..]، ونحن نقول: هذه كلمات السيّد الخوئيّ أمامكم، فاقرؤوا بحثه، وانظروا هل يصحح هذه الرواية ويقبلها كدليل قائم بنفسه أم لا.

ومع ذلك كلّه: هذا خروجٌ عن أصل النزاع، فكلامنا في المقالة الأولى كان حول شبهة «عدم تمييز علماء الإمامية بين مقامي البرهان والجدل فيما يخصّ حديث غضب الزهراء (عليها السلام)»، وقد فنّدناها، ولمّا أفلسَ العسر بعد أن أسقط الردُّ شبهتَه قفز إلى الاستدلال بما جاء في بحوث الولاية التشريعيّة، وليته كان صادقاً، فلماذا الخروج عن أصل البحث والقفز إلى أبحاث أخرى؟

يبدو أن بُعد العهد عن دروس الحوزة العلميّة والاستئناس بالمباحث الفيسبوكيّة السطحيّة جعلا ميثاق العسر قاصراً عن فهم مناهج الاستنباط عند الفقهاء وعباراتهم، وهذا حال من استبدل العلم والتحقيق بالتشكيك ومغازلة الوهابية في الفيسبوك وتويتر، بحثاً عن أبواب ارتزاقٍ جديد بعد أن أقفل أستاذه صاحب المرجعيّة المصطنعة أبواب الرزق أمامه، والله من وراء القصد!

إبراهيم جواد
قم المقدسة (زادها اللهُ شرفاً)
14 جمادى الآخرة 1440 هـ