الأحد، 28 أبريل 2019

أحمد الكاتب ومسؤولية الأمانة العلمية [1]

بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الكاتب ومسؤولية الأمانة العلمية [1]

كثيراً ما يتبجّحُ البعض أمام النّاس بأنّه طالبٌ للحقّ وباحثٌ عن الدليل، ولكنه في الوقت نفسه يمارس الكذب والتزوير والتدليس، ويحاول أن يمرر ذلك على عامة الناس الذين ربما انبهر بعضهم من ذكر المصادر وتتبع الأقوال، وربما مدحوا شخصاً بالموسوعيّة لأجل تلك الظواهر والمظاهر.

ولكنّ لبّ الحقيقة يكمن في مدى تمسّك الباحث بالدليل العلميّ الواضح وبُعده عن بتر النصوص واقتطاعها، وممارسة الادّعاء الكاذب، ونسبة أقوالٍ ملفّقة إلى العلماء عبر هذه الأساليب التي لا تنسجمُ مع البحث العلميّ.

وممن استغرق في استعمال هذه الأساليب هو (أحمد الكاتب) الذي يُقدّمه البعض على أنّه باحث فنّد العقيدة المهدوية لدى الشيعة، ومع غضّ النظر عن الدوافع السياسيّة والحزبيّة التي دفعته لإنكار هذه العقيدة، إلا أنّ البعض يحمله على صفة البحث العلميّ قسراً، ويكابر ويطلب منّا حواره، مع سعة فراغه علمياً، وأنا بطبيعتي أشمئزّ من الحوار مع من يفقدُ أصول وضوابط البحث العلمي، وأهمها: التوثيق الدقيق، التسلسل المنطقي في الاستدلال.

وهذا الرجل فاقد لأدنى درجات الضبط في التوثيق، ولو عُرِض كلامه على لجان التحكيم العلميّة في المحافل الأكاديميّة لأسقطوا كتاباته أرضاً لما فيها من الخلط والخبط والتمويه، ومن هنا أبدأ بعرض نموذج واحد حاول أن يؤسِّسَ به استدلاله على فكرة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يوصِ لأحدٍ بالخلافة، فلنتابع ما يلي:

أولاً: قال أحمد الكاتب في كتابه (تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، ص19) عند بداية الفصل الأول ما نصّه:
[وبالرغم مما يذكر الإماميون من نصوص حول تعيين النبي للإمام علي بن أبي طالب كخليفة من بعده إلّا أنّ تراثهم يحفل بنصوص أخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل البيت بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها. تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى - وهو من أبرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري - إنّ العباس بن عبد المطّلب خاطب أمير المؤمنين في مرض النبي أن يسأله عن القائم بالأمر بعده «فإن كان لنا بيّنه وإن كان لغيرنا وصّى بنا»..].

ثانياً: إذن، محطّ الاستدلال هي رواية العبّاس، فهل هي من رواية الشريف المرتضى أم أن هناك بتراً في السياق؟ من يراجع كتاب (الشافي في الإمامة) سوف يجدُ أنَّ الكتاب ردٌّ على كتاب (المغني) الذي ألفه القاضي عبد الجبار المعتزلي، وهذه الرواية ليست من كلام الشريف المرتضى (رحمه الله)، بل هو نقل لكلام القاضي المعتزلي ثم بدأ بنقضه، ويدّلك على ذلك ما جاء في كتاب (الشافي في الإمامة، ج2، ص151) حيث قال الشريف: [قال صاحبُ الكتاب حكاية عن أبي هاشم: «وكيف جاز أن يقول له العباس ورسول الله صلى الله عليه وآله عليل: سله عن هذا الأمر فإن كان لنا بيّنه، وإن كان لغيرنا وصّى بنا...»].
فهذه الكلام ينقله الشريف المرتضى من كتاب القاضي عبد الجبار المعتزلي الذي نقل الرواية والإشكال بها عن أبي هاشم الجبائي المعتزلي المعروف.

إذن؛ الرواية ليست من روايات الإمامية بل هي من روايات المعتزلة التي يشكلون بها على النص بالإمامة.

ويزيد الأمر وضوحاً، وهذا التدليس بشاعةً أنّ الشريف المرتضى قد نقد هذا الاستدلال في الصفحة التالية بعد أن فرغ من نقل كلام المعتزلي، فقال معلّقاً على هذا الاستدلال: [يُقال له: أما سؤال العباس رضي الله عنه عن بيان الأمر من بعده فهو خبر واحد غير مقطوع عليه، ومذهبنا في أخبار الآحاد التي لا تكون متضمنة لما يعترض الأدلة والأخبار المتواترة المقطوع عليها معروف، فكيف يُعتَرضُ بما ذكرناه من أخبار الآحاد؟!..].

فلا الرواية من روايات الشيعة.
ولا يوجد لها سند إمامي.
بل هي من روايات المعتزلة.
وفوق ذلك يردّها الشريف المرتضى ولا يقبلها.

فهل يصدق بعد ذلك ما قاله الكاتب الكاذب أنّ تراث الإمامية «يحفل بنصوص أخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل البيت بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها»..

كلام أحمد الكاتب في كتابه المذكور

النقل من كتاب (الشافي في الإمامة)