الأحد، 28 أبريل 2019

أحمد الكاتب ومسؤولية الأمانة العلميّة [2]


بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الكاتب ومسؤولية الأمانة العلميّة [2]

وفي ذات السّياق، عند الاستدلال على نفس الدعوى التي أشرنا إليها في القسم الأول والتي عبّر عنها أحمد الكاتب بقوله: [وبالرغم مما يذكر الإماميون من نصوص حول تعيين النبي للإمام علي بن أبي طالب كخليفة من بعده إلّا أنّ تراثهم يحفل بنصوص أخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل البيت بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها] ذكرَ روايةً أخرى عن الشريف المرتضى (رحمه الله)، وهي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونصُّها:
[وإنّ أمير المؤمنين قال: دخلنا على رسول الله حين ثقل، فقلنا: يا رسول الله استخلف علينا، فقال: لا، إني أخاف أن تتفرّقوا عنه كما تفرّقت بنو إسرائيل عن هارون، ولكن إنْ يعلم اللهُ في قلوبكم خيراً اختار لكم].
انظر: تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، ص19.

ثم أشارَ في الهامش إلى المصدر وهو كتاب (الشّافي في الإمامة) للشريف المرتضى.

ومن يراجع كتاب (الشافي) سوف يجدُ أنّ الروايةَ ليست من كلام الشريف المرتضى واستدلاله، بل هي ضمن كلام أبي علي الجبائي، وقد ذكره القاضي عبد الجبار المعتزلي للإشكال على الشيعة الإماميّة.

جاء في كتاب (الشافي، ج3، ص90): (قال: وبيَّنَ - يعني أبا عليّ - أنّ لمن خالفهم أن يدّعوا مثل ذلك في النص على أبي بكر لأنّ أصحاب الحديث فيهم كثرة،..إلخ)، والقائل هو: القاضي عبد الجبار المعتزلي، وأبو علي هو الجبائي.
ثم ذكر جملة من الروايات في الصفحة التالية رقم [91]، ومنها الرواية التي ذكرها أحمد الكاتب.
فيتبيّن للقارئ أنّ هذه الرواية من روايات أهل الحديث [السنّة] قد جاء بها أبو علي الجبائي المعتزلي ونقلها عنه القاضي عبد الجبار المعتزلي للإشكال بإمكان معارضة حجج الشيعة فيما يذكرونه حول تواتر النص على أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

إذن:
الرواية سنيّة.
ينقلها معتزلي عن معتزليّ للإشكال على الشيعة.
وقد شرع الشريف المرتضى بنقضها والجواب عليها في الصفحات اللاحقة، فلاحظ ما جاء في الشافي، ج3، ص96.

فكيف تثبت دعوى أحمد الكاتب الكاذب بأنّ التراث الشيعي يحفلُ بـ«بنصوص أخرى تؤكد التزام الرسول الأعظم وأهل البيت بمبدأ الشورى وحق الأمة في انتخاب أئمتها»؟!!

والجديرُ بالذكر: أنّ هذا الخبر وسابقه المتقدم في القسم الأول - بغض النظر عن مصدريهما - لا يصحّان عند الشيعة وفقاً لشروط علم الدراية، والعجيب أنّك تجد أحمد الكاتب يحتجّ بالأحاديث المرسلة وروايات الضعاف والمجاهيل، وإذا ردّوا عليه بأحاديث تثبت الإمامة والنصّ على الأئمة فإنّه يستحضر الأدوات الرجالية للقدح في الأسانيد والروايات ليسقطها من الاستدلال، أما هو فغير مطالب بالالتزام بقواعد علم الرجال والحديث، ولعله أجلّ شأناً من ذلك، والعياذ بالله من هذه الشيطنة والتلاعب بالعلم!

المشكلة أنّ أمثال هذه النماذج الساذجة يتم تسويقها على أنّها ناقدة بصيرة للعقيدة المهدويّة، وأنها أتقنت مهمة تفنيدها بأسلوب علميّ، في حين أنّ الكتابات التي تنطلق من خلفيّة سياسية وحزبية وصراع ما وراء الكواليس لا يمكنها أن تجتمع مع المعايير العلميّة في البحث العلميّ.

كلام أحمد الكاتب في كتابه (تطور الفكر السياسي الشيعي..)

النقل الصحيح من كتاب (الشافي في الإمامة)